تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[المفتون الجهلة!!]

ـ[ناصر العلي]ــــــــ[28 - 07 - 10, 11:23 م]ـ

المفتون الجهلة (1)

"مقام الفتوى"

إن مقام الإفتاء مقام خطير جداً. ولذلك كان السلف يتدافعون الفتوى.

قال ابن أبي ليلى رحمه الله: "أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله r فما كان منهم مفتٍ إلا ودّ أن أخاه كفاه الفتيا".

لقد كانت لفظة "لا أدري" جاريةً على ألسنة العلماء، لا يستحيون من قولها، قال الشعبي رحمه الله: "إن أحدكم ليفتي في المسألة لو وردت على عمر بن الخطاب t لجمع لها أهل بدر. وَقَالَ ابن عباس t: مَن أَفْتَى فِي كُلِّ مَا سُئِلَ عَنهُ فَهُوَ مَجْنُونٌ.

وكان الإمام الشافعي رحمه الله كثيرا ما يقول: "لا أدري".

وقال الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل يكثر أن يقول: "لا أدري".

ولما سئل الإمام مالك رحمه الله: عن مسألة قال: "لا أدري"، فقيل: هي مسألةٌ خفيفةٌ سهلة، فغضب وقال: ليس في العلم شيءٌ خفيف، أما سمعت قول الله تعالى ?إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً?.

وَأَتَاهُ سَائِلٌ وَأَقَامَ عِنْدَهُ زَمَنًا طَوِيلًا والإمام مالك يَقُولُ لَهُ: لَا أَدْرِي, فَقَالَ السائل: إنِّي آتِيك مِنْ مَسَافَةِ شَهْرٍ ضَارِبًا كَبِدَ بَعِيرِي لِأَسْأَلَك عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا عُدْت إلَى قَوْمِي فَقَالُوا: مَاذَا قَالَ لَك مَالِكٌ فَأَيُّ شَيْءٍ أَقُولُ لَهُمْ؟ فَقَالَ لَهُ: قُلْ لَهُمْ قَالَ لي: لَا أَدْرِي.

إن هذه المواقف في الحقيقة تكشف عن تهيب العلماء لمنصب الإفتاء رهبةً من القول على الله بغير علم:?قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ?.

وقال سبحانه: ?وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ*مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ?

هذه عقوبات أليمة خطيرة، نسأل الله السلامة والعافية.

المفتون الجهلة (2)

"عبث الفتوى"

إن الفتوى في الإسلام لها قدسيتها، ولا يتقحمها إلا أهلها الذين توافرت فيهم شروطها.

واليوم بكل أسف وبالذات بعد رحيل ثلةٍ من العلماء الربانيين ممن لهم قدم راسخة في الفتوى، أضحينا نعيش عبثَ الفتوى، وتمييعَ الفتوى، ومؤامرةً على الفتوى.

فضائياتٌ ومنتديات وصحف ومجلات تُروِّج للفتاوى الباطلة، وتستفتي جهلةً مغفلين، يأتون إلى أنصاف المتعلمين كي يفتوا بفتاوى جاهلة، وقديما قيل: يُفسد الأديانَ نصفُ فقيه، ويفسد اللسانَ نصفُ نحْوي، ويفسد الأبدانَ نصفُ طبيب.

هؤلاء الأنصاف صاروا بكل أسف موئلاً لأهل الضلال والأهواء. والناس تسأل من هب ودب، وطار وسار، لمجرد أنه إمام مسجد أو قارئ قرآن وقد أخبر النبي r بقوله: «إنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» متفق عليه.

هؤلاء الرؤوس الجهال من شهد لهم بالفتوى؟ هل علماؤنا المعروفون شهدوا لهم؟ كيف يشهدون لهم، وهم يتهمون علماءنا بأنهم مصابون بجرثومة التحريم والتشدد والانغلاق.

ولما سئل أحدُ المفتين الجهلة: هل تعتقد أنك من أهل الفتوى؟ قال بكل اعتداد بالنفس: نعم، وإلا ما أفتيت.

رحم الله الإمامَ مالكا قال:"ما أفتيت حتى شهد لي سبعون من أهل العلم أني أهل لذلك".

فلو عَقَل هذه الكلمةَ المجترئون على الفتوى لأراحوا واستراحوا.

ولا حول ولا قوة إلا بالله

المفتون الجهلة (3)

"إثارة إعلامية"

لقد عمد المنافقون إلى إبراز وجوهٍ غريبة يستضيفونهم ويستفتونهم، ما هم بأهل الفتيا، إنما هم من المتساهلين المميعين لأحكام الدين.

قال ابن مفلح:: يحرم التساهل في الفتيا، واستفتاءُ من عرف بذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير