منكم اليوم مسكينا؟ "، قال أبو بكر رضي الله عنه: " أنا "، قال: " فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ "، قال أبو بكر رضي الله عنه: " أنا "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة؟ ".
مواسم الطاعات مواسم الرحمات:
إن مواسم الطاعات هي شهور رحمة وبركة من الله تعالى على عباده، يفتح الله لعباده فيها سبل الطاعة وييسر عليهم فيها عمل الصالحات.
فلو لم يشرع الله لنا صيام رمضان فمن أين نحظى ببركة هذا الشهر الكريم، بل سيكون تقصد صومه وتخصيصه محدثا في دين الله ينقلب العبد منه مأزورا مشابها للضالين من أهل الكتاب ممن أحدث في دين الله ما لم يأذن به الله.
فشرع الله لنا صيامه وقيامه بل وجعله مُيَسَّراً على عباد الله بمنه ورحمته، يجتمع المسلمون في أقطار الأرض على هذه الطاعة فيتقوى المسلم بأخيه لا يرى عليه مشقة في صومه أو قيام ليله، وهكذا حجّ بيت الله الحرام والاجتهاد في الطاعة في عشر ذي الحجة وغيرها من مواسم الطاعة والبركة كشهر المحرم وشعبان وكالجمعة من كل أسبوع.
فكل هذه المواسم تتجلى فيها تمام رحمة الله بعباده إذ شرع لهم عباداتٍ مخصوصةً يتزودون منها ويتكثرون فيها من العمل الصالح، ثم أعانهم عليها سبحانه وتعالى، فما أرحمَه بعباده وما أتمَّ نعمته عليهم.
والعبد إذا استحضر رحمة الله في هذه المواسم فينبغي عليه أن يؤدي شكر الله تعالى ويريَه من نفسه خيرا، ويسابق إلى كل عمل صالح ليكون من الفائزين، وليحظى برحمة أرحم الراحمين.
مواسم الطاعات خروج عن المألوفات وتنبيه لأهل الغفلات:
فهذا عبد يجهد في وظيفته ليرتقي بها أو لإثبات مكانه، وذاك آخر يسعى في مصالح عياله وتحصيل قوتهم، وآخر يسعى للتكثر من المال والنعم، ورابع للبروز بجاهه والفخر بحسبه، وهم في هذا يؤدون عباداتهم اليومية في جمود وضعف مستمر؛ بل بعضهم مع تكاسل وتقطع، وعجلة الأيام تدور وتدور دون اكتراث أو شعور لحقيقة سعيهم ونتائج كسبهم، حتى تطل عليهم مواسم الطاعات بما تحمله من جليل العبادات فيستعد لها المسلم ويتهيأ لاستقبالها مع شعوره بالخروج عن المألوف والكسر لرتابة هذه الحياة.
فيا أخي المسلم كما أقبلت عليك مواسم الطاعات بما تتضمنه من أيام فاضلة مميزة ورأيت أنها تخرج بك عن مألوف حياتك، فاجعلها نقطة تحول لك تجاه ربك بالإنابة والرجوع إليه، فحاسب نفسك على ما كان من تقصيرها، واندم على ساعات فرطت فيها في جنب الله، واعزم على الخروج والتخلص من سيئ العادات، وأعلم نفسك بأنك منذ اليوم لن تطيعها في هواها بل مخالف لها إلى ما يحب الله ويرضى، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) - التحريم 8 - .
ولا تكن ممن يجري على لسانه كلمات التثبيط وعبارات الضعف والعجز قائلا: (وما الفائدة من هذا الجدّ والصلاح وأنا أعلم أنني عن قديم حالي لن أتغير وفي طاعة الله سأتعثر، إذا انصرمت مواسم الطاعات).
فهذه العبارة إنما هي عبارة الضعفاء، وقيامها في نفس العبد قد يكون أسوأ حالا وأشد قبحا من مقارفته للمعصية وتفريطه في الطاعة، فالعبد عليه أن يغتنم هذه المواسم الفاضلة ويتقرب فيها إلى الله ما استطاع ويدعوه بجدٍّ وإخلاص أن يعينه على التبدل إلى أحسن حال والاستمرار على طريق الصالحين إلى يوم لقائه سبحانه وتعالى، وفي الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله تعالى: أن يجدد الإيمان في قلوبكم))، وهذا شأن عباد الرحمن الطامحين الذين يطمحون إلى كل خير ويطلبون كل فوز، قال تعالى: ((وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا
¥