تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العُصفور وقطعة القِماش

ـ[حاتم الحاجري]ــــــــ[04 - 08 - 10, 01:00 ص]ـ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين،

وبعد،

فَقَدْ قيل: "إنَّه بإظلام القلب واستنارته تظهر محاسن الظاهر ومساويه، إذ كل إناء ينضح بما فيه"، فصلاح الباطن أو فساده، وسلامة القلب أو مرضه، يظهر أثره على الجوارح وعلى ما يصدُر عن المرء مِن أقوال وأفعال.

وقد ابتلانا الله بتلك الطائفة المُسَمَّاة بالنخبة المثقفة، أتباع ما تُسَمَّى بالمدرسة العَقْلانِيَّة الحَدَاثِيَّة، الذين يُسَخِّرون أقلامهم ليل نهار للدعوة إلى نبذ دين الله كمرجعية شرعية ومنهج حياة، تحت شِعار العَلمانية اللادينية والليبرالية والحداثة والدولة المدنية.

ولم يفتأ أولئك الحداثيون في الطعن في رموز الدين وثوابته، والتطاول على أهل العِلم مِن أهل السُنَّة والجماعة، واتهام مَن يُخالِف أرائهم المنحرفة بالتخلف والرجعية والتَّزَمُّت والتشدد، إلى آخِر تِلك التُّهم البالية، في الوقت الذي يَدَّعُون فيه أنهم أصحاب العقول المتفتحة المستنيرة التي تقبل الرأي والرأي الآخر ولا تحجر على أفكار الغير.

وقد نشرت جريدة الأهرام في أعدادها الصادرة بتواريخ: 14/ 06/2010، و28/ 06/2010، و05/ 07/2010، مجموعة مِن المقالات لأحد رموز تلك المدرسة، وهو الكاتب جابر عصفور (الذي ساهم طه حسين بدرجة كبيرة في تكوين فِكره)، والتي يهاجم فيها حجاب المرأة المسلمة، داعياً إلى عدم اختزال الدين في "قطعة قماش"!!

ويبدو أن الكاتب قد ثار قلقه بسبب انتشار مظاهر الالتزام بين المسلمين وانتشار الحجاب والنقاب، ولم يقطع سلسلة تِلك المقالات إلا وفاة رفيق عمره نصر أبو زيد، فخصص مقال للبكاء على قبره.

وبدلاً مِن أن يُبْدِي الكاتب فرحه بعودة المسلمين لدين الله والالتزام بتعاليمه، كمسلم مِن المفترض أنه مُحِب للإسلام وشعائره الظاهرة والباطنة، خرج علينا بتلك المقالات التي تُظْهِر ما يُحاول هو وأمثاله إخفاؤه مِن بُغض وكراهية لشعائر الإسلام، قال الله تعالى: ?قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ? [سورة آل عِمران – الآية 118]، وتظهر تلك الكراهية جلياً في كتاباته الداعية باستمرار إلى إقامة الدولة المدنية التي لا تقوم للإسلام فيها قائمة.

ويدندن هذا الكاتب وأمثاله دائماً حول مقولة"الإسلام دين الجوهر"، و"نبذ المظهر والاهتمام بالجوهر"، إلى آخِر تلك المقولات الباطلة التي تُعَطِّل أكثر شعائر الإسلام. فالصلاة والزكاة والصدقات، والصيام والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعيادة المريض واتباع الجنائز، وحُسْن الخُلُق، وسُنَن الفِطرة، وغيرها الكثير، كلها مِن العبادات الظاهرة التي لا تَصْلُح إلا بصلاح الجوهر، ويصلُح الجوهر بها.

فلا انفصال بين العبادات الظاهرة والباطنة، فالإسلام دين شامل كامل، كل شرائعه واجبة الاتباع، قال الله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ? [سورة البقرة – الآية 208]، و"السِّلْم" في هذه الآية هو "الإسلام"، قال السعدي في تفسيره لهذه الآية: "هذا أمرٌ مِن الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا ?فِي السِّلْمِ كَافَّةً? أي: في جميع شرائع الدين، ولا يتركوا منها شيئا، وأن لا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه، إن وافق الأمر المشروع هواه فعله، وإن خالفه تركه، بل الواجب أن يكون الهوى تبعاً للدين، وأن يفعل كل ما يقدر عليه مِن أفعال الخير، وما يعجز عنه يلتزمه وينويه، فيُدركه بِنِيَّتِه. ولما كان الدخول في السلم كافة، لا يمكن ولا يُتَصَوَّر إلا بمخالفة طرق الشيطان قال: ?وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ? أي: في العمل بمعاصي الله، ?إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ? والعدو المبين لا يأمر إلا بالسوء والفحشاء وما به الضرر عليكم". فترك أياً مِن شرائع الإسلام، ظاهرةً كانت أو باطنة، هو ابتاع لخطوات الشيطان، وإعلاء للهوى على الشرع.

وكما اهتم الإسلام بإصلاح الباطن وتزكية النفوس، فقد اهتم ايضاً بالعبادات الظاهرة التي تعكِس ما في الباطن مِن صلاح.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير