والتثبت يكون أيضاً في نسبة الأقوال لأهل العلم والفضل، إما بسوء فهم، أو عدم التوثق من النقل، وهذا باب عريض يحصل بسببه نسبة أقوال وآراء لأئمة وتقويلهم مالهم يتفوهوا به، أو يتكلموا به، فيحصل شر عظيم من جراء ذلك، وهذا موطن فساد كبير. وظلم عريض لعلماء الأمة. وكم قيل عن إمام من أئمة الإسلام بأنه يقول كذا أو يسمع كذا ... !! وكل ذلك من باب الظن والكذب الصرف، المبني على الطيش والعجلة، وادعاء الفهم والعلم والتحقيق!؟
والتثبت أيضاً يكون على آحاد الناس ونقل كلام عنهم لم يقولوا به، والتساهل في نشر أي كلام يسمعه دون تثبت وتحقق، وقد قال ×: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» (4)
إذا تقرر هذا فليعلم بأنه حدثت البلوى في هذا الزمان، وكثرت المصائب والمحن، من عدم ثبات البعض على المنهج السديد، وعدم التثبت في طرح الآراء والأقوال، ففي يوم يقول أحدهم رأياً وبعد مدة يقول بضده! أو يُولع بنشر آراء غريبة، وأقوال ضعيفة، فهو متذبذب الرأي، مشوش الفهم، متناقض الأقوال، بل هؤلاء يفتقدون الحكمة في نشر ما يرونه، فلا حكمة، ولا حلم، ولا فقه متين، ولا ورع، وحصلت بسبب ذلك العديد من الانتكاسات والإشكالات عند عموم المسلمين، وسُرَّ بذلك أعداء الدين المتربصين، وهذا أصبحنا نراه بارزاً في أمور الفتوى وقضايا البحث الشرعي لبعض المسائل، التي خالفت فتوى العلماء في القديم والحديث بدعوى هذا اجتهاد مني! ورأي بعد بحث ودراسة! حتى تبلبلت أذهان الناس، ووقع بعضهم في حيرة من أمرهم؟
ووجب معرفة من هم أهل الفتوى فهذا العلم دين كما قال محمد بن سيرين: «إِنَّ ه?ذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ» (5) وفي هذا يقول شيخنا الإمام سماحة الشيخ/ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: «أهل الفتوى هم الذين قد تفقهوا في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاةوالسلام، وحصلت لهم معرفة جيدة بما أحل الله وبما حرم الله، وما أوجب الله وشهد لهمأهل العلم والفقه والخير بالمعرفة وأنهم أهل لأن يفتوا، ولا ينبغي أن يستفتى كلأحد، ولو انتسب إلى الدين أو إلى العبادة أو إلى العلم حتى يسأل عنه أهل العلم، ويتبصر السائل بواسطة العارفين به والذين يطمئن إليهم أنهم أهل علم حتى يذكروا لهأنه أهل للفتوى، وأهل لأن يفتي في الحلال والحرام ونحو ذلك. المقصود أن هذا يحتاجإلى تثبت في الأمر وعدم تساهل، فليس كل من انتسب إلى الدين أو إلى العبادة أو إلىالعلم يصلح لذلك، بل لا بد من فقه في الدين، وتبصر ولا بد من ورع وتقوى لله، ولا بد منحذر من تسارع في الفتوى والجرأة عليها بغير علم وبغير حق، ولا حول ولا قوة إلابالله.»
وقال رحمه الله ناصحاً المستفتين والمفتين بكلام دقيق نفيس لمن تبصره: «نصيحتي للقراء أن لا ينجرفوا مع كل مفتي، وأن يعرضوا فتاوى الناس علىكلام الله وكلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وأن يعظموا ما عظمه الله ورسوله، وأن ينتهوا عما نهى الله عنه ورسوله، وأن يسألوا أهل العلم المعروفين بالاستقامةوالغيرة الإسلامية والعلم الشرعي، وأن لا ينجرفوا مع كل فتوى، فعليهم أن يتثبتواوأن يحذروا حتى لا يقعوا في الباطل. أما وصيتي ونصيحتي للمفتين فعلينا جميعاً تقوىالله، وأن لا نفتي إلا بما يوافق الحق، وأن نحذر التساهل أو الميل إلى أهواء الناسوما يرضيهم، فإن الناس أكثرهم لا يرضيه إلا الباطل، فالواجب على المفتي أن يتقيالله، وأن يخاف الله، وأن يراقب الله، وأن لا يفتي إلا بما يظهر له من كلام اللهوكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام- بعد التثبت وبعد النظر والعناية، وبعد مراجعةأهل العلم، والاستعانة بما ذكروه في كتبهم حتى تكون الفتوى على بينه، وعلى بصيرة، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.» (6)
أسأل الله تعالى الثبات على دينه، وأن يجعلنا متثبتين في جميع أمورنا، وأن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، وأسأله تعالى أن يصلح أحوالنا جميعاً، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الترمذي (2163) وابن ماجه (3917) وأحمد (11852) بسند حسن.
(2) مجموع الفتاوى (4/ 43)
(3) أخرجه البخارى (1268) ومسلم (5).
(4) أخرجه مسلم (7)
(5) أخرجه مسلم (26)
(6) الموقع الرسمي لسماحة الشيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله.
ـ[كتاب التوحيد]ــــــــ[05 - 08 - 10, 02:17 م]ـ
بارك الله فيك وفي الكاتب
ـ[عبدالله العلاف]ــــــــ[08 - 08 - 10, 08:47 م]ـ
كتاب التوحيد
اللهم آمين
وفيك بارك الله
ـ[المخلافي]ــــــــ[09 - 08 - 10, 05:33 ص]ـ
الحمد لله
شكر الله لفضيلة الشيخ العالم سعد بن عبد الله السعدان على ما كتب، ونعم نريد التثبت والثبات، فاللهم اجعلنا من المتثبتين واجعلنا من أهل الثبات على الحق.
والشكر موصول لأخي الشيخ عبد الله العلاف فهو الذي تكرم بوضع المكتوب من فضيلة الشيخ السعدان
أسعد الله الجميع بطاعته ورزقنا جميعا التثبت والثبات على الحق الذي لامرية فيه ولا شك.
¥