وقد قال الإمام ابن حزم الظاهري قبل هذه النقول ما معناه ..
(واختلف الناس في هذا فأباحته طائفة وكرهته طائفة) ..
ثم ساق الروايات هذه ..
ولم يستدل بها لنفسه أصلاً ..
أما مسألة ..
متى يكون القول شاذاً .. ؟!
القول الشاذ هو المخالف للدليل الصحيح ..
وليس كل قول خالف المذاهب الأربعة فهو شاذ ..
فمن أعطى الرخصة للمذاهب الأربعة بأن قولهم هو الصواب وحده دون غيرهم .. ؟!
فالإمام مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المبارك والشعبي وغيرهم وابن تيميه لهم أقوال لم يكن لهم فيها سلف ..
فمن أعطاهم هذا الأمر وجعل قول كل من بعد الأربعة قولاً شاذاً .. ؟!
هذه قاعدة عجيبة تبطل بأدنى تحقيق ..
الأمر الثالث ..
نقل شيخنا (مبارك) عن العلامة الجهبذ ابن عقيل الظاهري ..
كلام شيخنا ليس بدقيق ..
ولا يصح ..
إلا ما ذكره في الكراهة والإباحة فيحتمل الخطأ ..
ولا أظنه يلزم الإمام ابن حزم الظاهري ..
فالكراهة عند الإمام والندب إنما استحق فيه الإنسان الأجر للتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقط ..
فالكراهة كل ما كرهه النبي صلى الله عليه وسلم وذمه أو الله تعالى ولم يحرماه ..
وتأتي كما قلت آنفاً في معنى التأسي فقط ..
لذلك لا يصح قوله أن الحكم هذا كان بناء على حال الشرع لا حال البراءة ..
لأن البراءة لا يعمل بها مع ورود حال الشرع ..
ولا وارد شرعي هنا ..
فحكمه بالكراهة يرده احتمال الخطأ في جعل هذا الفعل مكروها بمعنى الكراهة عند الإمام أو عند غيره ..
ولا أظنه في كلامه يعني الكراهة الشرعية عنده ..
وقد يكون الإمام نظر في الفعل هذا وقال أنه ما دام الناس والفضلاء يكرهون هذا الفعل ..
أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كذلك ..
وكذلك أظنه بعيداً ..
والشيخ ذكر الخطأ الأول وهو المنفي في قول الإمام ابن حزم الظاهري يقيناً ..
ولأبين لك ذلك أقول باختصار وأتممه في ملتقانا ..
الشيخ استدل بقاعدة: الأصل في الأبضاع التحريم ..
وجعل حال البراءة باطلاً لورود حال الشرع فقال لا يصح كلام الإمام وأخطأ في تطبيق أصول الظاهر ..
بل الإمام لم يخطئ لأن هذه القاعدة عنده في فرج وفرج وفي عقد النكاح فقط ..
ولا تتعدى بابها ..
فالمتنازع فيه هو الاستمناء ..
الذي هو عمل في فرج العامل لا فرج غيره ..
فليس كل ما أسميناه نكاح يعني النكاح الشرعي ..
فاستعمال الشيخ لفظ (نكاح اليد) كان لتقرير رأيه أو لخطأ في النظر فقط ..
فحال الشرع لم ترد عند الإمام أصلاً فكيف يبطل حال البراءة .. ؟!
ولا تلزم حال الشرع إلا إن وجدت ..
وهي لم توجد عند الإمام أصلاً ..
فلا يكون كلامه خطأ من هذا الوجه ..
الأمر الرابع ..
هل الاستمناء مضر صحياً .. ؟!
قال بعض الناقلين أنه مضر صحياً ..
وأقول أيضا بناء عن مشاهدة ومعاينة ..
كان لي منذ سنوات أخ متدين طالب علم، وأنه كان قبل الزواج يشتد عليه الأمر وكان يتلوى ألماً حتى إذا نذهب به إلى الطبيب ..
وكان يقف أحياناً في الصلاة وفجأة يقع ويتقوس ويصرخ ألماً ..
فأحمله سريعاً إلى الطبيب فيقول له ..
هذا المني إن كثر فإنه يضرك ويجعلك تتلوى كالأفعى لا تقدر على أن تقف ..
فلا بد أن تخرجه أو نخرجه نحن .. !
وأخرجه مرة واحدة فقط بأن أدخل أصبعه في دبر صاحبي وضرب غدة أظن فنثر ذكره المني المحتقن هذا ..
وقال له لا تترك المني يحتقن وإلا أضرك كما ترى وقد يصير عندك إلتهاباً شديداً في الخصية ..
وزار صاحبي برفسور آخر أيضاً وزار ثالث ليعرف الحل ..
فكلهم اتفقوا على أنه يجب أن يخرج هذا المني وإلا أضره إن كان غير متزوج ..
فقال لي صاحبي أيهما أولى ..
أن أجعل الطيب أو الممرض أو الممرضة يدخلون أيديهم في دبري ليضربوا هذه الغدة أو ما يضربونه ليزول الألم أم أستمني ما دامت عاجزاً عن النكاح .. ؟!
وكان صواماً يصوم يوم ويفطر يوماً ..
فهنا يلجلج من سيجيبه ..
وسيضطر للقول بأن ذلك رخصة ..
فيقول بقول من رخص للضرر دون أن يدري ..
وهذا قول أطباء ثقات يعكس القول على من قال بالمضرة .. !
فالآن يأتي أحدنا فيقول هؤلاء أطباء مسهم الجنون .. !
فالأمر أهون من كل هذا والحمد لله ..
فكلنا يتفق على أنه فعل ليس من أفعال أهل الأخلاق السوية ..
ولا أحد منا يقول أنه من فضائل الأخلاق ..
ولكن هناك أمر آخر ..
هل فاعله يستحق الذم والعقوبة من الله .. ؟!
فهناك من يقول لا عقوبة مطلقاً ..
وهناك من يقول لا عقوبة إن كان لإزالة ضرر ..
وهناك من يقول يلحقه الإثم والعقوبة لأي سبب كان ..
فصاحبنا هذا يلحقه القول الثالث فقط ..
فالكل يتفق على أن المحظورات تباح في الضرورة ..
وأن تلك الضرورة تقدر بقدرها ولا يتجاوز بها ذلك الحد ..
فيباح له إزالة هذا الضرر الذي قال به أطباء عاينوا حاله ..
فإما أن يزيلوه هم أو يزيله هو ..
وإن أزاله هو كان أستر عليه من إدخال أصبع غيره في دبره ..
وإن كان لا ضرر عليه فتركه أفضل عند القول الأول ..
ويحرم فعله عند الثاني والثالث ..
فهنا يقع الإشكال ..
نفرده في بحث إن شاء الله تعالى ..
وبالله تعالى التوفيق ..
¥