9 - أفيهم مثلُ مُعَاذةَ القَيْسِيِّة تلك الفقيهةِ العابدة؟ أمْ كحفصة بنتِ سيرين المُحَدِّثةِ الراشدة، أمْ كَعَمْرَةَ بنتِ عبد الرحمن التي كانت في غَسَق الدُّجَى بالتهجد قائمةً غيرَ قاعدة، أمْ كأُمِّ الدَّرْدَاء الصُّّغْرَى أفْقَهِ نساء أتْرَابِها جملةً واحدة، كمْ ركعَتْ لله وسجَدَتْ والليالي على دموعها من خشية الرحمن شاهدة، لله تلك النِّسْوةِ اللاتي كانت روءسهن في جوف الأسْحار خانعةً مُطْرِقة.
{وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ}
10 - أعندهم مثلُ رَجُلَةِ النساء خَوْلَةَ بنتِ الأزْوَر، أو كَنَفِيْسَة العِلْمِ والتقوى ذاتِ الوجْهِ الأقْمَر، أو كَسُكَيْنَةَ بنتِ الحسينِ سليلةِ بيْتِ النُّبْوةِ والْمَجْدِ الأزْهَر، أو كالزَّرْقَاء بنتِ عدِيٍّ رَبَّةِ الشجاعةِ وصاحبة الجمَل الأحْمر، أو أو كَهِنْد بنت زيدٍ وَلِيدةِ المعارك الزاهيةِ بِحَجَابِها الأنْوَر، أو كَنَائلةَ بنتِ الفَرافَصِةِ التي قُتِلَ زوْجُها عثمانُ بين يديها وهي تصرخُ في وجْهِ الظالمين وتَزْأر، ما خافتْ أحدًا ودُموعُها على خدِّها الأسِيلِ تسيلُ مُتَسارعةً مُتَسابِقة.
{وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ}
11 - أفيهم مثل شَعْوَانةَ المتَعبِّدِة، أو كرابِعة العدويَّة تلك الواعِظةَ البَكَّائةَ المُتَزَهِّدة، أو كأُمِّ عُمَارة بنتِ سفيانَ التي كانت تصوم نهارها ثم تقوم ليلها مُتَهَجِّدَة، أو كزُبَيْدَة امرأةِ هارونَ الرشيد التي كانت صدَقاتُهَا في ابتغاء مرضات الله كلَّ يومٍ مُتَجَدِّدِة، كمْ كانتْ يدُها بما تسْكبُه في سُبُل الخيراتِ باذِلةً مُنْفِقَة؟
{وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ}
12 - هل فيهم مثلُ أُمِّ المجاهدين زَيْنبَ الغزالي، تلك الشريفة التي بَذَلَتْ في سبيل هذا الدين كلَّ رَخِيصٍ وغالي، أو مثل وفاءَ إدريسَ التي ارْتَقَتْ بِبَيْعِ نفسها لله إلى منازل أهل المجد والفَخْر المتوالي، وكانت مِنْ أوائل مَنْ تمزَّق جسدها في سبيل الذَّوْدِ عن صَرْح الإسلام الشامخ العالي، أو مثل الفتاة المُقَاتِلةِ دَارِينَ التي تشهد الأيام على صفحة جهادها كما تشهد بذلك الليالي، هل أبصروها يوم استشهادها ولسان حالها يقول: على مِثْلي فلْيَشْهدِ الزمان ولْيروِ للناس قصةَ كِفَاحي ونِضَالي، أم أعندهم مثل زينب أبو سالمٍ التي لم يَسْمَع الدهرُ بمثلها فيما مضى من الأيام الخوالي، أليْسَتْ هي صاحبةَ الرأسِ المقطُوعِ والخمارُ فوقه مُشْرِقٌ كالشمس في جبينِ المعالي، هل رأوها وقد انْفَصَمَ رأسُها عن ذلك الجسد الذي بَذَلتْه لمولاها فَأبَى مولاها إلا أن يَسْترَ بعد موتها ذلك الرأسَ الغالي، كم كان يبيت هذا الرأسُ الشريفُ وجُفُونُه من البكاء على شهداء المسلمين مُتَحَرِّقة؟
{وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ}
13 - هل عندهم مثل آياتِ الأخْرَسِ عروسِ الإسلام، هل جادَ تاريخهم بمثل تلك الفتاة في غابر الأزمان وحاضِر الأيام، هل فيهم مثل تلك الآياتِ التي نَطَقَتْ بِبَذل الرُّوحِ والفداء حين خرَسَتْ عن الشجاعة قلوبُ الجبناء واللئام، هل علموا بخروج تلك المناضلة في يوم عُرْسِها وقد أُضِيئتْ شموعُ الأفْراح فأشرقتْ بنورها دَياجِيرُ الظلام، هناك في أرض فلسطينَ وعروسها في انتظار مَقْدَمِها وقد عَبثَتْ به الأشواق وهو يُمَنِّي نفسه بالوِصال وتحقيق أجملِ الأحلام، وما كان يدري أن عروسَه في ذلك اليوم مَشْغُولةٌ عنه بتجهيز نفسها للإفطار عند ربها بعد طُولِ صِيام، وأن ملائكة الرحمن قد تأهَّبتْ - إن شاء الله - لزفافها عندهم بملكوت السماء هناك في أعْلَى مقام، حيث نهضَتِ الفتاةُ إلى أرض استشهادها ووجهُهَا مُسْتنيٌر كالبدر في ليلة التمام، فاقتَحَمَتْ جُمُوعَ المعْتدين ثم أطْلَقتْ حِزَامَ وَسَطِهَا فإذا نهارُ المجرمين قَتَام، وسَقَطَتْ العروسُ في يوم زِفَافها تَنْزِفُ دماءَ التضحية بل دماءَ الشوقِ إلى لقاء ربِّ الأنام، فداكِ أرواحنا يا رايةَ التوحيدِ الخافِقَة.
{وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ}
14 - أفيهم مثلُ بَنَانَ الطَّنْطاوي قتيلةِ الإسلام والإيمان، أعندهم مثل تلك المجاهدة على مَرِّ الدهور الأزمان، هل سمعوا بعظيم جهادها وما جرَى لها وكان، هل شاهدوها في جَوْفِ الليل وهي تبْكي إخوانَهَا المُعَذَّبين وترفعُ مُصَابهم ومُصَابها إلى الملِك الدَّيَّان، هل رأوْها وهي تُنَافِحُ عن عقيدتها ولا تُبَالي بأهل الظُّلْمِ والطُّغْيان، هل أبصروها وهي في بيتها وحيدةٌ قد أحاط بها المجرمون وأسدلوا عليها أستارَ الأحقاد والعدوان، هل سمعوها وهي ترفع عقيرتها في وجوههم وقد هاج غضبها لله كالْبُرْكَان، هل عاينوها وقد أطلق عليها هؤلاء القَتَلَةِ رصاصاتِ الغَدْرِ فأصابتْ صدْرَها المكْلُومِ بالمآسي والأحزان، ثم تركوها غارقة في دمائها حتى خرجَتْ روحها الطاهرةَ وهي تشكو ظُلْمَ الظالمين إلى الرحمن، سلام الله عليك يا بنان، يا بهجةَ القلوب وعبيرَ الأكوان، كم كانت نِياط قلبكِ بأشجان الإسلام والمسلمين مُتَعَلِّقَة؟
{وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ}
وكتبه: أبو المُظفَّر سعيد بن محمد السِّنَّاري، ذلك العبد الأثيم الجاني، سامحه الله وغفر له.
¥