ـ[أبو أنس دريابادي الهندي]ــــــــ[10 - 08 - 10, 11:42 م]ـ
استغلال رمضان
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد:
فإن من حكمة الله ورحمته ولطفه بعباده أن هيأ لهم مواسم للطاعات، تنشرح فيها صدورهم لعمل الصالحات، واغتنام الأوقات، ووعدهم على ذلك جزيل الهبات. (وربك يخلق ما يشاء ويختار)؛ فاختار من الناس محمداً، ومن البقاع مكة والمدينة، ومن الأيام يوم النحر، ومن الليالي ليلة القدر، ومن الأشهر شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان.وأودع الله في قلوب عباده المؤمنين شوقاً دفيناً لهذا الشهر، فما أن يستدير العام حتى تخفق تلك القلوب لمقدمة، وتتشوف لاستقباله، كما يستقبل الضيف الحبيب الذي طال غيابه. وكأن المؤمن قد ناء بحمل الأثقال من الخطايا والغفلات، فما أن يهل الشهر ويحل إلا وقد ألقاها عن كاهله، واطرح بين يدي ربه يتوب إليه ويستغفره، ثم يقبل على قلبه يجلو صدأه، ويميط الران عنه، حتى يعود صقيلاً مضيئاً، مثل السراج يزهر. روى الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه؛ يقول: (قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه. تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين. فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم) وإسناده صحيح. قال ابن رجب رحمه الله: (قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان (لطائف المعارف: 279.ورمضان في ضمير المؤمن موسم قربة وإخبات، واستكثار من الأعمال الصالحات. وقد تعرض هذا الوعي الإيماني في السنوات الأخيرات لقدر من التشويه والانحراف؛ فصار في حس بعض الناس موسماً للتسوق والتفنن في الأكلات والوجبات، وعند آخرين مهرجاناً للأفلام والمسرحيات التي تقيء بها الفضائيات، ويقترن عند طائفة بذكر النوم والكسل وترك الأعمال والواجبات!! وكل هذا وذاك باطل ما أنزل الله به من سلطان، ولا كان من شأن أهل الإسلام، وإنما طرأ على مجتمعاتهم في غيبة من العلم وغفلة من الذكر، وهجمة من الذين يتبعون الشهوات
.أنشد بعض السلف:
أتى رمضان مزرعة العباد ... لتطهير القلوب من الفساد
فأدِّ حقوقه قولاً وفعلاً ... وزادك فاتخذه للمعاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها ... تأوه نادماً يوم الحصاد
ولم يزل الصالحون يشبهون رمضان بالمزرعة، وحلولَه بالموسم، ومن شأن ذلك أن يستغل. قال ابن منظور: (استغلال المستغلات أخذ غلتها) لسان العرب:10/ 110
ولا يتم هذا الاستغلال، بشكل تام، إلا بتحقق ثلاثة أمور:
الأول: التهيؤ الإيماني لاستقبال هذا الشهر؛ بأن يورد المسلم على قلبه المؤثرات الإيمانية من المحبة، والخوف، والرجاء، التي تؤهله لاغتنامه بالعمل الصالح.
الثاني: التخطيط الجيد للوقت، ورسم برنامج يومي متوازن لتحقيق المقاصد المختلفة.
الثالث: العلم الشرعي بمحبوبات الله ومراضيه التي ينبغي السعي في تحصيلها في هذا الشهر. وقد اجتمعت في هذا الشهر الكريم أمهات العبادات. وفيما يلي فتحٌ لصوامع الغلال، لأرباب الاستغلال، علَّ الله أن يوفقنا لملئها في هذا الشهر الكريم بالصالحات، فنفرح بها (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً) آل عمران:30.
أولاً: الصيام:
نص الله تعالى عل الحكمة من فرضية الصيام بقوله: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة:183. وبين نبيه صلى الله عليه وسلم مقصود الصيام بقوله: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري.فالصوم الحق هو الذي يحلي صاحبه بالزينة الباطنة، وهي التقوى، والزينة الظاهرة، وهي الأدب والسمت الحسن، كما في الصحيحين، من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به. والصيام جنة؛ فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم. والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم
¥