أخرجه ابن عساكر من طريق عبدالله بن هشام أبي الحسن: حدثني أبي عن محمد بن سيرين عن أبي عبيدة أو أبي عبيدة بن حذيفة - شك أبو الحسن - قال:
كنت أسأل ...
قلت: فهؤلاء أربعة من الثقات اتفقوا على روايته عن ابن سيرين عن أبي
عبيدة عن عدي، وهم أربعة:
أيوب السختياني، وعبدالله بن عون، وهشام بن حسان، وقتادة.
وهؤلاء كلهم ثقات؛ فالإسناد جيد، لولا أنه اختلف على الثلاثة الأولين في
إسناده، ووهاء السند بذلك إلى قتادة رابعهم، وإليم البيان:
أولاً: أيوب؛ فقال أحمد (4/ 258): ثنا يونس: ثنا حماد - يعني: ابن زيد -:
أنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي عبيدة بن حذيفة عن رجل قال - يعني -
كنت أسأل ... فأدخل (الرجل) بين أبي عبيدة وعدي.
ويونس هو: ابن محمد المؤدب.
وتابعه سليمان بن حرب: نا حماد بن زيد ... به.
أخرجه الدارقطني (رقم 26 و29)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (5/ 342).
فقد خالف هذا الثقتان: يونس المؤدب وسليمان بن حرب - إسحاق بن
إبراهيم المروزي - بزيادتهما عليه الرجل في الإسناد، وأنه هو الذي سأل عدياً،
وليس أبا عبيدة.
وإن مما لاشك فيه أن روايتهما مقدمة على روايته؛ لأنهما اثنان، وهو واحد،
وكل منهما أوثق منه احنج بهما الشيخان دونه، ومعهما زيادة، وزيادة الثقة
مقبولة، ولا سيما من اثنين على واحد! فكيف وقد توبعا من:
ثانياً: ابن عون. فقال عبدالرحمن بن حماد الشعيثي: ثنا ابن عون عن محمد
ابن سيرين ... به لكنه قال:
عن أبي عبيدة بن حذيفة عن رجل كان يسمى (اسمين)، أنه دخل على
عدي بن حاتم ... " فزاد (الرجل) وسماه!
أخرجه أبو نعيم في "دلائل النبوة" (4/ 472 - 473).
والشعيثي - هذا -: ثقة؛ فهو مرجوح عند مخالفته للثقتين المتقدمين اللذين
لم يذكرا (الرجل). إلا أنه من جهة أخرى روايته هي الأرجح؛ لما تقدم، ويأتي
من المتابعين له؛ فتنبه.
ثالثاً: هشام بن حسان. قال أحمد (4/ 257 و 379): ثنا يزيد: أنا هشام ...
به مثل رواية يونس وسليمان المتقدمة.
ويزيد - وهو: ابن هارون الواسطي - أحفظ من عبدالله بن بكر السهمي؛،وإن
كان ثقة - ولا سيما وفي الطريق إليه موسى بن الحسن بن عباد، وهو الملقب
بـ (الجلاجلي) - ليس مشهوراً بالحفظ، ولم يذكر الحافظ الذهبي في ترجمته من
"السير" غير قول الدارقطني فيه:
"لا بأس به".
رابعاً: مخالفة قتادة لا قيمة لها؛ لأنها لم تثبت عنه - كما سبقت الإشارة
إلى ذلك -؛ فإن في الطريق إليه عبدالله بن هشام أبا الحسن، وهو ضعيف جداً؛
قال ابن أبي حاتم (2/ 2/193):
"سألت أبي عنه؟ فقال: هو متروك الحديث ".
وشذ ابن حبان؛ فذكره في "الثقات" (8/ 347)!
إذا عرفت هذا؛ فمن المستغرب جداً قول الحافظ ابن عبدالبر في أول ترجمة
عدي من "الاستيعاب":
"وخبره في قدومه على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبر عجيب فِي حَدِيثِ حسن صحيح من
رواية قتادة عن ابن سيرين"!
إلا أن يقال: لعله وقف له على طريق أخرى صحيحة عن قتادة، فأقول:
وهذا وإن كان ممكناً بالنسبة لسعة حفظه؛ فإني مما أستبعده، ولئن ثبت؛ فالجواب
ما تقدم من أن الراجح من ذاك الاختلاف: ثبوت الرجل المجهول في الإسناد.
ويؤكده روايتان أخريان:
الأولى: قال ابن أبي شيبة في "المصنف" (14/ 324 - 325)، وأحمد في
"المسند" (4/ 379) حدثنا حسين بن محمد: أخبرنا جرير بن حازم عن محمد
عن أبي عبيدة: أن رجلاً قال: ...
والأخرى: عن سعيد بن عبدالرحمن عن محمد بن سيرين عن أبي عبيدة
ابن حذيفة بن اليمان عن رجل كان يسمى (اسمين) أنه دخل على عدي بن
حاتم ... فذكر الحديث بمعناه.
هكذا أخرجه البيهقي في "الدلائل" (5/ 343) - عقب حديث حماد بن زيد
المتقدم - من طريق أحمد بن عبدالجبار قال: ثنا يونس بن بكير عن سعيد بن
عبدالرحمن.
قلت: وهذا إسناد جيد إلى الرجل؛ سعيد بن عبدالرحمن هذا هو: البصري
أخو أبي حرة؛ ثقة، ومن دونه من رجال "التهذيب".
وتخلص مما سبق من التخريج والتحقيق أن مدار إسناد هذه القصة على
محمد بن سيرين عن أبي عبيدة عن رجل عن عدي.
وبذلك يتبين لنا بعض الأخطاء والتي لا بد لي من بيانها:
الخطأ الأول: ما وقع في "موارد الظمآن" (2280 - الطبعة السلفية) والطبعة
¥