وقال الموزعيُّ: لم يزل عمل النَّاس على هذا، قديماً وحديثاً، في جميع الأمصار والأقطار، فيتسامحون للعجوز في كشف وجهها، ولا يتسامحون للشابَّة، ويرونه عورة ومنكراً، وقد تبين لك وجه الجمع بين الآيتين، ووجه الغلط لمن أباح النَّظر إلى وجه المرأة لغير حاجة، والسلف والأئمة؛ كمالكٍ والشافعيِّ وأبي حنيفةَ وغيرِهم لم يتكلموا إلا في عورة الصلاة، فقال الشافعيُّ ومالكٌ: ما عدا الوجه والكفين، وزاد أبو حنيفة: القدمين، وما أظنُّ أحداً منهم يُبيح للشابَّة أن تكشف وجهها لغير حاجة، ولا يبيح للشابِّ أن ينظر إليها لغير حاجة.
وبمثل هذا نص البغوي والجرداني والجمل والسقاف والقليوبي من الشافعية.
فهذه بعض أقوال كبار فقهاء الشافعيَّة في القديم والحديث تبيّن أنَّ مذهبهم وجوب ستر المرأة وجهها إذا كانت بحضرة رجال أجانب.
ونزيد من غير الحنابلة والنجديين:
قال الشوكاني: وأما تغطية وجه المرأة، في الإحرام، فكنّ يكشفن وجوههن عند عدم وجود من يجب سترها منه، ويسترنها عند وجود من يجب سترها منه.
وألف الأمير الصنعاني كتاباً بعنوان ((الأدلة الجلية في تحريم نظر الأجنبية))، بيّن فيه وجوب غطاء الوجه.
وقال الشيخ محمد بن سالم البيحاني اليمني: وأما خارج الصلاة فتستر بدنها كله حتى الوجه والكفين، ولم يستثن إلا ما كان للضرورة كالشهادة ونحوها.
وقال الشنقيطيُّ: إنَّ المنصف يعلم أنَّه يبعد كل البعد أن يأذن الشارع للنِّساء في الكشف عن الوجه أمام الرِّجال الأجانب، مع أنَّ الوجه هو أصل الجمال، والنَّظر إليه من الشابَّة الجميلة هو أعظم مثير للغرائز البشريَّة، وداع إلى الفتنة، والوقوع فيما لا ينبغي.
ورد الشيخ محمَّد سعيد البوطي على القائلين بأنَّ يسر الشَّريعة يقتضي السُّفور حيث قال: من عجيب أمر بعض النَّاس أنَّهم يتعلقون بهذا الَّذي يسمُّونه ((تبدّل الأحكام بتبدّل الأزمان))، في مجال التَّخفيف والتَّسهيل والسير مع مقتضيات التَّحلل من الواجبات فقط، ولكنَّهم لا يتذكرون هذه القاعدة إطلاقاً عندما يقتضيهم الأمر عكس ذلك.
وأمَّا أنا فلست أجد مثالاً تتجلى فيه ضرورة ((تبدل الأحكام بتبدل الأزمان)) مثل ضرورة القول بوجوب ستر المرأة وجهها، نظراً لمقتضيات الزمن الذي نحن فيه، ونظراً لما تكاثر فيه.
وممَّن ردَّ على هذه الدَّعوة، وعلى قاسم أمين الأستاذ محمد طلعت حرب في رسالة ((تربية المرأة والحجاب)) نصر فيها وجوب ستر المرأة وجهها عن الرجال الأجانب.
قال محمد فريد وجدي: إذا أشرنا اليومَ بوجوبِ كشفِ الوجهِ واليدين؛ فإنَّ سنةَ التدرجِ سوفَ تدفعُ المرأةَ إلى خلعِ العذار للنهايةِ في الغدِ القريب، كما فعلتِ المرأةُ الأُوربية، التي بلغتْ بها حالةُ التبذلِ درجةً ضجَّ منها الأُوربيونَ أنفسُهم. والسعيد من اتعظ بغيره!.
وقال الشيخ صالح محمَّد جمال: ما عليه الجمهور: منع كشف الوجه ووجوب تغطيته، وما كنَّا عليه نحن في هذه البلاد المقدَّسة قروناً طويلة حتى أواخر القرن الماضي الهجري، حتى منينا بهذا التقليد الأعمى الذي حذرنا منه الإسلام، وخرج منَّا ((مجتهدو آخر زمن)) لينبشوا عن آراء فقهيَّة مرجوحة؛ ليستبيحوا بها كشف وجه المرأة، ويفتوا بذلك تشجيعاً على السُّفور، وإيقاظاً للفتنة النائمة، وفرح بها بعض الشباب وتمسَّكوا بها دون التَّفكير في عواقبها الوخيمة العاجلة والآجلة؛ من إفساد وخطف وجرائم، لولا السُّفور والاختلاط لم تقع.
وألف الشيخ أحمد محمَّد جمال: رسالة بعنوان ((نساؤنا ونساؤهم)) ذكر فيها اتفاق العلماء على منع النساء من الخروج سافرات الوجوه.
وقال الشيخ حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بعد أن ساق جملة من الآيات والأحاديث الموجبة للحجاب: وليس بعد هذا البيان بيان، ومنه يُعلم أنَّ ما نحن عليه ليس من الإسلام في شيءٍ… إنَّ الإسلام يحرم على المرأة أن تكشف عن بدنها، وأن تخلو بغيرها، وأن تخالط سواها.
وعلق على قوله هذا د. محمد المقدّم، فقال: فإنَّ الأدلَّة تؤيد القول بوجوب النِّقاب كما هو ظاهر كلام فضيلة الأستاذ حسن البنا رحمه الله، وأنزله منازل الشُّهداء!!!
وقال شيخ الأزهر الشيخ عبدالحليم محمود: يجب عليها ستر الوجه والكفين سداً للذَّرائع إلى المفاسد.
ونصَّ شيخ الأزهر ومفتي مصر د. سيد طنطاوي على وجوب تغطية المرأة وجهها أمام الرِّجال الأجانب في تفسيره الوسيط عند كلامه على آية الجلباب.
ولو قال قائل: إذا كان هذا كلام أئمة الفقهاء في القديم والحديث، وحال المسلمات في جميع بلاد الإسلام كما ذكر العلماء قبل قليل، فمتى تغير الحال؟ وكيف أصبح السفور هو الأصل عند أكثر نساء المسلمين؟
الجواب: لكوني التزمت أن أرد على قدر الخطأ العلمي في كلام الكاتب (( Another)) فإني أحيل على كتابي ((سبيل الطهر ومملكة العفاف)) والله الموفق.
أخوكم أحمد بن عبد العزيز الحمدان
مدير مركز الدعوة والإرشاد بمحافظة جدة
ومشرف موقع نوافذ الدعوة: www.dawahwin.com
¥