وكان الصحابة خصوصاً ابن عباس رضوان الله عليهم يعتنون بأسماء السور أو أوصافها التي تدل على مقصودها ورحاها الذي تدور حوله، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر الفاروق رضي الله عنه قيل له: سورة التوبة؟ قال: هي إلى العذاب أقرب ما أقلعت عن الناس حتى ما كادت تدع منهم أحدا.
وعن حذيفة رضي الله عنه في براءة: يسمونها سورة التوبة وهي سورة العذاب. وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: سورة التوبة؟ قال: التوبة بل هي الفاضحة، ما زالت تنزل ومنهم حتى ظننا أن لن يبقى منا أحد إلا ذكر فيها. وعن قتادة قال: كانت تسمَّى هذه السورة: (الفَاضِحَةَ)، فاضحة المنافقين.
وعن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الأنفال؟ قال: تلك سورة بدر.
وفي صحيح البخاري عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس سورة الحشر. قال: قل بني النضير. أي سورة بني النضير.
وفي البخاري أيضاً عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت له وما المحكم؟ قال المفصل.
قال سعيد بن جبير: إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم.
إذا تقرر هذا فأعود لأقف مع بعض أسماء السور:
1 - سورة الفاتحة: هذا هو اسمها الأشهر وهو محل إجماعٍ يقيني في أمة القرآن، قال ابن عاشور رحمه الله في التحرير: وفاتحة مشتقة من الفتح وهو إزالة حاجز عن مكانٍ مقصودٍ وُلُوجه فصيغتها تقتضي أن موصوفها شيء يزيل حاجزا.
فهي المفتاح الأعظم الذي يفتح لك كل باب للخير، فهي مفتاحك لعلم الكتاب، وهي مفتاح الحُجُب بينك وبين الله، تأمل قول ابن كثير رحمه الله: وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب هو المناسب؛ لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى؛ فلهذا قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). ويقول ابن عاشور: وما هنا التفات بديع، فإن الحامد لما حمد الله تعالى ووصفه بعظيم الصفات بلغت به الفكرة منتهاها فتخيل نفسه في حضرة الربوبية، فخاطب ربه بالإقبال.
هي أبواب تُفتح شيئاً فشيئاً لمن وفقه الله فتعلَّم كيف يَفتحُ بالفاتحة تلك الأبواب المغلقة.
2 - سورة البقرة: سُميت بهذا الاسم في صحيح السنة المطهرة وتواتر ذلك في الأمة عالمها وعامتها، ولها أسماء أخرى هي أوصاف لها، وليس سديدا أن يُقال بأنها سميت بهذا الاسم لذكر البقرة فيها، فاسم (البقرة) جاء أيضاً في غير هذه السورة كالأنعام ويوسف، وقد ذُكر فيها (طالوت) عليه السلام والذي لم يأت ذكره إلا في سورة البقرة فكان الأولى التسمية به لأسباب لا تخفى لو كان هذا التعليل صحيحاً.
فما دلالة الاسم هنا؟ "سورة البقرة" سورة أوامر ونواهي وهي مليئة بها حتى قال ابن العربي رحمه الله: سمعت بعض أشياخي يقول: فيها ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف خبر. واسم (البقرة) ورد في سياق تعنت بني اسرائيل في الاستجابة لأمر موسى عليه السلام (أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا) ثم (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ .. فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ) (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا) ... ، ولا يوجد في السورة قصة كهذه في شدة تلجلج قوم مع أوامر نبيهم (وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ)، وكانت العاقبة (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ... ).
فناسب تنبيه أمة محمد صلى الله عليه وسلم ألا يكونوا في موقفهم من أوامر "سورة البقرة" كأصحاب البقرة؟
فكلما مرّ بك أمر أو نهي فيها فتذكر أصحاب البقرة.
3 - سورة الكهف: هي كهفك من الفتن، وهي المنجية من أعظم فتنة فتنة المسيح الدجال وفي ذلك أحاديث مشهورة صحيحة، وقد ذكرت أصول الفتن الأربع وكيفية النجاة منها.
4 - سورة الحج: يقول شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: سورة الحج تضمنت منازلَ المسير إلى الله، بحيث لا قاطعٌ يقطع عنها.
وكلام هذا الإمام يحققه أن السورة سميت باسم الحج، والحج في اللغة: هو القصد إلى معظم، وأعظم مقصود هو العظيم سبحانه، والناس كلهم سائرون إلى هذا العظيم في جلاله وجماله ورحمته وعذابه جل في علاه، فالسورة إنما هي علامات ومنازل لهؤلاء السائرين، من استدل بها بلغ، ومن أعرض عنها انقطع.
وهكذا دواليك،، فإن استغلق دونك هذا المفتاح الأخير، وحار ذهنك في أسماء السور فدعه إلى حينه فهو مع عظيم أثره مِن مِلَح العلم لا من صُلبه، وعُضّ بالثلاث الأول.
لا حرمني الكريم وإياك لذة مأدبته التي أنزلها زادا لا غنى عنه لي ولك،،
ـ[أبوالحسين الدوسري]ــــــــ[17 - 08 - 10, 10:52 ص]ـ
أسأل الله أن يجزيك والشيخ عصام خير الجزاء، كلام يحرك الهمم لتلاوة القرآن بتدبر، وعلى ذكر سورة البقرة فإن قوله تعالى: (وإن منها لما يهبط من خسية الله) فيه معنى جميل فالخشية كما فال الراغب*:خوف يشوبه تغظيم، وأكثرمايكون ذلك عن علم بما يخشى منه.
قال أحد الإخوة: فما أقسى قلب من كانت الحجارةأعلم بالله منه.