تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أن الدم المسفوح نجس، ولأن الدم المسفوح أصلا هو علة تنجيس الميتة حتف أنفها، فكيف يكون هو العلة في نجاستها ولا يكون هو في ذاته نجسا؟ هذا بعيد، وأما ما عدا هذين من الدماء، فإنني لا أعلم دليلا صريحا صحيحا يفيد أنها نجسة، وإنما الدليل فقط قام على نجاسة دم الحيض، والدم المسفوح ولكن بقية الدماء، أين الدليل على القول بنجاستها؟ بل إنه قد ورد الدليل على أنه طاهر وليس بنجس، فمن الأدلة حديث عائشة رضي الله عنها قالت:- أصيب سعد يوم الخندق في الأكحل، فضرب النبي عليه الصلاة والسلام خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلم يرعهم - وفي المسجد خيمة من بني غفار - إلا الدم يسيل إليهم فقالوا:- يا أهل الخيمة، ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دما فمات فيها. متفق عليه، ومن أصيب في أكحله فإن نزيف الدم منه متوقع في أي لحظة ومع ذلك فقد أدخله النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، وهو عالم بأن دمه قد ينزف ويلوث المسجد في أي لحظة، فإدخاله في المسجد والحال كذلك دليل على أن الدم ليس بنجس، إذ لو كان نجسا لتحفظ من ذلك، مع قوله ((إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من هذا البول ولا القذر)) ومن الأدلة أيضا:- حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه، وهي مستحاضة ترى الدم، فربما وضعت الطست تحتها من الدم. والحديث في صحيح البخاري، فانظر بالله عليك، كيف أذن لها النبي صلى الله عليه وسلم بالاعتكاف الذي تطول مدته في الغالب، وهي على هذه الحال من خروج الدم منها، مع أنهم يضعون الطست تحتها أحيانا من كثرة ما تثج الدم، فلو كان نجسا لنزه النبي صلى الله عليه وسلم المسجد عن مثل ذلك، مع قوله ((إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من هذا البول ولا القذر)) فانظر بعين الإنصاف، تجد الأمر واضحا فيما رجحناه ومن الأدلة أيضا القول الصحيح، جواز وطء المستحاضة، ولو كان دمها ينزل، بأدلة ستأتينا في باب الحيض إن شاء الله تعالى، فلو كان دمها نجسا لما جاز ذلك، ولكن لما جاز وطؤها أفاد ذلك أن دمها طاهر وليس بنجس، ومن الأدلة أيضا أن الصحابة في الحروب لم يزالوا يصلون بجراحاتهم، والدم على ثيابهم وسيوفهم، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالتحرز من شيء من ذلك مما يفيد أن الدم طاهر، لا سيما من بني آدم، لأنه لو كان نجسا لأمرهم بغسله، لأن التطهر من النجاسة شرط من شروط صحة الصلاة، فلما لم يأمرهم دل على أنه طاهر، وأن الصلاة معه صحيحة، والمتقرر أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم حجة على الجواز، والمتقرر أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ومن الأدلة أيضا حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما وهو حديث طويل في قصة الحارسين، المهاجري والأنصاري، اللذين بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم لحراسة الجيش، فنام المهاجري وقام الأنصاري يصلي، وجاء مشرك فرمى الأنصاري بثلاثة أسهم، كل ذلك ينزعها وهو لا يقطع صلاته ... الحديث. وهو حديث حسن إن شاء الله تعالى، ووجه الاستشهاد به أن هذا الأنصاري قد استمر في صلاته والدماء تنزف منه، ومن المعلوم أن مثل هذا الفعل لا يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قائد الجيش، وهو الذي بعثهم بنفسه، فلا جرم أنه سيعلم الحادثة بكل تفاصيلها، ومع ذلك فلم ينكر على الأنصاري استمراره في الصلاة مع خروج الدم، مما يفيد أن خروج الدم لا يضر من جهتين:- من جهة أنه لا ينقض الوضوء ومن جهة أنه طاهر وليس بنجس، والله أعلم، ومن الأدلة أيضا ثبوت طهارته عن جمع من الصحابة بحسب أفعالهم، فابن عمر عصر بثرة في وجهه فخرج شيء من دمه فحكه بين أصبعيه، وصلى ولم يتوضأ، وسنده صحيح، وبزق عبدالله بن أبي أوفى دما ثم قام فصلى، وسنده حسن، وعمر حين طعن، بقي في صلاته، ولم يخرج منها إلا لما أثقلته الجراح، وأدخل أبو هريرة أصبعه في أنفه فخرج وفيها دم، ففته بأصبعه، ثم صلى ولم يتوضأ، وابن مسعود صلى وعلى بطنه فرث ودم، فلم يعد الصلاة، وسنده صحيح، ومن الأدلة أيضا أن المتقرر شرعا أن الشهيد في المعركة يدفن بثيابه وكلومه ودمائه، ولا يمسح عنه شيء منها، فلو كان الدم نجسا لأمر بغسله عنه، ولكن لما أمر بدفنه بدمه أفاد ذلك أنه طاهر، ومن الأدلة أيضا أن المتقرر أن ما عمت به البلوى وكثر، فإنه يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يبينه للناس بيانا شافيا قاطعا للعذر وخروج الدم من المسائل التي تعم بها البلوى، ومما يحتاج الناس إلى معرفة الحال فيه ومع ذلك فليس في السنة فيما أعلم دليلا صحيحا صريحا يفيد وجوب غسله، إلا في الدمين اللذين ذكرتهما لك سابقا، وأعني الدم المسفوح ودم الحيض، فقط، وأما غيرهما من الدماء، فلا دليل فيها، بل الأدلة فيها تقضي أنه طاهر، ومن الأدلة أيضا حديث عائشة أنهم كانوا يأكلون اللحم والدم خطوط على القدر، وهو الدم الباقي في العروق بعد ذبح الحيوان وخروج الدم المسفوح، مما يفيد أن المحرم إنما هو الدم المسفوح، وأما النهي عن بيعه وشربه فإن النهي عن الشيء لا يستلزم أنه نجس، لأن المتقرر أنه ليس كل حرام نجس، فإن قلت:- فقد ادعى بعض أهل العلم رحمهم الله تعالى الإجماع على نجاسة الدم، والإجماع من حجج الشرع، فأقول:- نعم، هذا صحيح، ولكن حكاية الإجماع فيها نظر، وذلك لثبوت الخلاف، وما ذكرناه من الآثار عن بعض الصحابة، كاف في نقض هذه الدعوى، والله أعلم.

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=190077

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير