[حكم وفوائد ومواعظ]
ـ[أبوعلي السلفي]ــــــــ[19 - 08 - 10, 06:38 م]ـ
[حكم وفوائد ومواعظ]
قيل لبعض العلماء: لم تركت مجالسة الناس؟ قال: ما بقي إلا كبير يتحفظ عليك أو صغير لا يوقرك.
من سوء الأدب في المجالسة: أن تقطع على جليسك حديثه أو تبدره إلى تمام ما ابتدأ به تُريه أنك احفظ له منه.
قال رسول الله r: « المجالسُ بالأمانة، وإنما يتجالس الرجلان بأمانة الله –عز وجل- فإذا تفرقا فليسترُ كل منهما حديث صاحبه».
روي عن عيسى ـ عليه السلام ـ أنه قال: جالسوا من تُذكركم بالله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله.
قال مسعرُ بن كدام: رحمن الله من أهدى إلي عيوبي في سترٍ بيني وبينه، فهو الناصح، فإن النصيحة في الملأ تقريع.
إياك وكل جليس لا يفيدك علمًا ولا تكسب منه خيرًا، وإياك وطول المجالسة لمن لا يفيدك علمًا نافعًا، فإن الأسد إنما يجترؤ عليها من أدام النظر إليها.
وقيل: أزهد الناس بالعالم أهلهُ وجيرانه لكثرة الاتصال بينهم، كل شيء إذا تكرر يمل إلا كلام الله وكلام رسله.
جمي الكتب يُدرك من قراها
سوى القرآن فافهم واستمع لي
ملال أو فتورٌ أو سآمةْ
وقول المصطفى يا ذا الشهامةْ
وقال آخر: يا بُني لا تُمكن الناس من نفسك، فإن أجرأ الناس على السباعِ أكثرُهم لها مُعاينةً.
قال الشاعر:
رأيتُ حياة المرء تُرخصُ قدرهُ
كما يُخلق الثوب الجديد ابتذاله
فإن مات أغلتهُ المنايا الطوائحُ
كذا تخلقُ المرء العيون اللوامعُ
وقال بعض العلماء يصف أهل بلده:
يرون العجيب كلام الغريب
وجوابُهم عند تعنيفهم
وأما القريبُ فلا يُعجبُ
مُغنية الحي لا تُطرب
من التواضع الرضا بالدُون من المجلس.
ويروى عن ابن مسعود أنه قال: إنَّ من التواضع أن ترضى بالدُون من المجلس، وأن تبدأ السلام من لقيت.
قال إبراهيم النخعي: إن الرجل ليجلس مع القوم فيتكلَّمُ بالكلام يُريد الله به فتصيبهُ الرحمة فتعم من حوله.
وإن الرجل يجلس مع القوم فيتكلمُ بالكلام يسخطُ الله به فتصيبه السخطة فتعمُ من حولهُ.
وقال r: « وَيْلٌ لِلَّذِي يُحدِّثُ الناسَ فَيَكِْذبُ لِيُضْحِكَهُمْ وَيْلٌ لَهُ ثُم وَيْلٌ لَهُ».
قلت: وفي زمننا هذا قد كثروا جدًا فكُن على حذر منهم ومن يتصلُ بهم عافنا الله وإياك من شرهم، والله أعلم، وصلى الله على محمد.
فصل في حكم وفوائد ومواعظ ووصايا ينبغي الاعتناء بها
أجلُّ السرور رضى الرب جلَّ وعلا وتقدَّس.
أغنى الغنا صحةُ العقيدة والفقه في الدين.
القلوب الفارغة من طاعة الله مُوكلةٌ بالشهوات.
أفضل أمر الدين والدنيا وأشرفه العلم النافع والعمل الصالح والعلم النافع ما جاء عن النبي r.
أفضل ما في الآخرة رضى الله ورؤيته وسماع كلامه.
ومما أوصى به بعضهم ما يل:
لا تمل مع الهوى وحلاوة الدنيا فإنهما يصُدَّانكَ عن الشغل بمعادكَ وتكون كالغريق المشتغل عن التدبير لخلاص نفسه بحملِ بضاعةٍ ثقيلة قد اغتر بحسنها وهي سبب عطبه.
وقال: أبعدوا عن مُخالطة الخونة والفسقة ومُبتغي الملاهي والضلال وأصحاب البدع كالأشاعرة والرافضة والمعتزلة والجهمية والصوفية المنحرفة.
واحذر أن تغترَّ بقول المُغفلين نُخالطُهْمَ لنجذبَهُم إلى الاستقامة وهذا غلط.
أهل البدع والفسقة وأصحاب الملاهي كأصحاب الكورة والتلفاز والفيديو مجالستهم تضر وهم مرضاء عقول.
والصحيح هو الذي يتضرر بمخالطة المريض، وأما المريض فلا يبرأ بمخالطة الصحيح، وقديمًا قيل:
وما ينفع الجرباء قُربُ صحيحةٍ
إليها ولكنَّ الصحيحة تُجْرَبُ
يبقى الصالح صالحًا حتى يُصاحب فاسدًا، فإذا صاحبهُ فسد مثل مياه الأنهار تكونُ حُلوةً عذبةً حتى تُخالِطَ ماء البحر، فإذا خالطته ملُحتْ وامترتْ وفسدتْ.
ولكن الدعاية إلى مخالطة أهل المنكر لجذبهم عنه خِدْعَة من إبليس وأتباعه لِسُخَفَاءِ العُقول.
فكم أوقعوا في هذه الشبكة من مُغفَّل زعم أنه يجذبهم فجذبوه وأغرقوه وبقي في الحسرة والندامة.
وقال: اعلموا واستيقنوا أن تقوى الله سبحانه وتعالى هي الحكمة الكبرى والنعمة العُظمى والسببُ الداعي إلى الخير والفاتح لأبواب الفهم والعقل والخير.
كَيْفَ الرَّحيلُ بلا زادٍ إلى وطن
من لم يكن زادُه التقوى فليس له
ما ينفعُ المرء فيه غيرُ تقواهُ
يوم القيامة عُذْرٌ عند مولاهُ
¥