تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالذنب ذنبك، وأنت اقترفته بملئ إرادتك، فلا تتهرب منه، وهذه أول خطوة للتعايش الصحيح مع ذنوبك، أن تعرفها وتعترف بها، دون أن تعطيها أكثر من حجمها، ودون أن تخرجها من دائرتها، فهي ذنوب صدرت من عبد ضعيف يرجو رحمة مولاه، ويخاف عقابه، وينتظر عفوه ومغفرته، وليست فسوقا وتطاولا، وجحودا لنعمة الله، فلا تحاول التهرب من هذا الواقع بإنكاره أو نسيانه، بل استحضره في كل مرة تذنب فيها، ولا تترك المجال لهواك أن ينكر الذنب، ولا لغفلتك أن تنسيك إياه، وانظر إليه بعينين، عين باكية لله عز وجل نادمة، وعين تنتظر التوبة، وتستبشر بالعفو القريب.

ثانيا: التقدير الصحيح للذنب.

الذنوب قسمان، كبائر وصغائر، وهناك قاعدة أن الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة، لكني لا أوافق على هذه القاعدة، ولا أرى عليها دليلا يمكن الاعتماد عليه، وليس المجال مجال إثبات ذلك، لكن على الإنسان أن يقدر الذنب ويقدر حجمه ووقته وظرفه، لأن تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر، تقسيم مهم من ناحية وضع كل ذنب في محله، وكثير من الناس يخلط بين الدرجتين، والتحصين المثالي، أن يجعل لكل من النوعين أساليب وقائية، تختلف عن النوع الآخر، ولو جعل النوعين سواء، لأدى تجرؤه على الصغائر إلى تجرئه على الكبائر، والله أعلم.

ثالثا: امسح جبينك واغسل يديك:

عندما تلطخ يديك بشيء ما، فإنك تبادر إلى غسلهما وإن كنت تعلم أنهما سيلطخان مرة أخرى، فلا يعقل أن تترك غسل يديك بحجة أنهما سيتسخان من جديد، ولو قال لك قائل: لا تغسل يديك فإنك وإن غسلتهما فإنهما لن يبقيا نظيفتين، فستجيبه بأن العقل يقتضي غسلهما إلى حين أن يتسخا من جديد، فضرورة اتساخهما مرة أخرى لا تنفي ضرورة غسلهما كل مرة.

هذا هو منطق التوبة، فالتوبة بمثابة الصابون الذي نغسل به أنفسنا حين نلطخها بالذنوب، وضرورة هذا الاغتسال متجددة باستمرار، لأن الامتناع عن الذنوب مطلقا أمر لا يمكن أن يحصل أبدا، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"، وبهذا نعلم لم كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم مائة مرة!

إن التعايش مع الذنب يقتضي الاستعداد للتوبة المتجددة في كل مرة يقع فيها الإنسان في الذنب، فالاستعداد الدائم للتوبة هو ملاذ المذنبين، وهو العلاج الأمثل الذي يقضي على أوساخ الذنوب، ويغسلها باستمرار حتى لا يبقى من درنها شيء، قال صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المعنى: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مراتٍ هل يبقى من درنه شيءٌ قالوا لا يبقى من درنه شيءٌ قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا)، وكذلك التوبة إذا تكررت من الإنسان، فإنها لا تزال تغسل ذلك الذنب حتى تمحوه، أو يعفو الله عن صاحبه، فيقلع عن ذنبه إلى غير رجعة.

إنك في كدحك إلى ربك لفي مسيرة طويلة، فامسح جبينك كل ما أحسست بالتعب، واغسل يديك كل ما رأيت بهما الأوساخ.

رابعا: النصر قريب والحرب مستمرة:

عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الرياح، تصرعها مرة وتعدلها، حتى يأتيه أجله، ومثل المنافق مثل الأرزة المجذية، التي لا يصيبها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة.

إن معركة الذنوب معركة طويلة الأمد، فعلى العاقل أن يطيل النفس، ويكثر الذخيرة، ويركب عزمه ويجنب يأسه، فليست معركة الذنوب معركة تحسمها في يوم وليلة، إنها معركة متجددة، سجال، يوم لك ويوم عليك، فلا تنظر لذنوبك إلا كعدو يتربص بك أن تضع سلاحك فيميل عليك ميلة واحدة، فابعث عليه عيون الحيطة والحذر، وتترس منه بحصن الدعاء، واحمل عليه بعساكر الاستغفار، واسدد عليه منافذ إمدادات الهوى والشهوة التي يتقوى بها عليك، واقطع عليه مجاريه بالصوم، واستعد للهزائم المتكررة التي يعقبها النصر والظفر، فلا معركة بدون قتلى، ولا نصر بدون جراحات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير