الصلاة أول ما تكون لطلب العلم، لزيادة العلم بالله واليوم الآخر، هذا هو الهدف الأكبر من الصلاة، وخاصة في ركنها الأعظم القيام وقراءة القرآن بتدبر، لذلك أشد ما يكون الشيطان على العبد في هذا الأمر وهو أثقل شيء على الناس فلذلك تجد التقصير في هذا الأمر فاشيا، إذا صلى أحدهم لا يكاد يقرأ حتى الفاتحة وإن قرأ فبدون قلب.
وكيف نعلم أن الصلاة تحقق العلم والإيمان والذكر الذي يحقق إخلاص العبودية لله رب العالمين؟ علامة ذلك أن يوجد في القلب الافتقار إلى الله تعالى في كل لحظة، أن يكون العبد كثير التضرع والابتهال والإلحاح في سؤال الله؟ علامة ذلك أن يوجد في قلب العبد اليقين والإخلاص بأنه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اليقين بأنه لا حول ولا قوة لك إلا بالله.
كل كلمات الصلاة من التكبير إلى التسليم ترسخ هذا المعنى وتثبته في القلب.
وكلما زدت أيها العبد صلاة كلما زاد يقينك وعلمك بهذه المعاني، هذا المفترض فإن لم يوجد فاعلم أنها ليست صلاة.
فإذا كنت كلما صليت كلما زدت افتقارا إلى الله وتضرعا إليه، إذا كنت كلما صليت زدت تعظيما وتقديسا لله وتنزيها وتسبيحا لله، إذا كنت كلما صليت زدت رؤية لتقصيرك وتفريطك في جنب الله، واجتهدت في الاستغفار أكثر وأكثر، فصلاتك حقا صلاة، وإلا فليست بصلاة، ويقال لك: ارجع فصل فإنك لم تصل.
ما لم تحصل على هذه النتيجة فصلاتك صلاة شكلية صورية، صلاة جسد بلا روح إن المقصود الأول من الصلاة إقامة ذكر الله في قلب المصلي، أي تحقيق توحيد وإخلاص العبودية لله رب العالمين.
ضابط هذا المقصد ومعناه هو أن يتحقق في القلب: فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك، أن ينقطع قلبك عما سوى الله، أن تتيقن في كل لحظة أنك على خشبة في لجة البحر تنادي يا رب يا رب،أن تعلم أنك محاط بالضر في كل لحظة وفي كل حال لا تنفك من ذلك أبدا حتى وأنت في أيسر ما تكون.
أن ينطق قلبك قبل لسانك في كل لحظة بقول: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا من يجيب المضطر إذا دعاه، يا حيي يا قيوم برحمتك أستغيث اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله رب العرش العظيم، رب إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا كبيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي.
أن يكون حالك كما أخبر الله: فادعوا الله مخلصين له الدين، دعا ربه منيبا، إليه ضل من تدعون إلا إياه، فإليه تجأرون.
أن تحذر من: ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون، مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه، نسي ما كان يدعو إليه، قال إنما أوتيته على علم عندي، هذه الآيات وأمثالها تصور معنى التوحيد والإخلاص الذي يجب أن يقوم في قلب العبد في كل لحظة وفي كل حال، في السراء قبل الضراء، وفي الرخاء قبل الشدة، في اليسر قبل العسر، وفي الصغير قبل الكبير، وفي اليسير قبل العسير.
الصلاة مهمتها تحقيق هذا المعنى في قلب المصلي، وتثبيته وترسيخه.
ومتى كان هذا المعنى موجودا حيا نابضا فهذه هي الصلاة التي ذكرت في القرآن ووصفها الله لعباده دواء لكل داء وعونا على الحياة في السراء والضراء، فكلما أحسست بضعف أو نقص إخلاص العبودية لله فافزع إلى الصلاة وأن تكون بمفاتيحها كاملة.