للمهاجرين، وأن عليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية. فإن أجابوا فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله ثم قاتلهم".
انفرد به مسلم، وعنده زيادات أخر
وقوله: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) يقول تعالى: وإن استنصروكم هؤلاء الأعراب، الذين لم يهاجروا في قتال ديني، على عدو لهم فانصروهم، فإنه واجب عليكم نصرهم؛ لأنهم إخوانكم في الدين، إلا أن يستنصروكم على قوم من الكفار (بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) أي: مهادنة إلى مدة، فلا تخفروا ذمتكم، ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم. وهذا مروي عن ابن عباس، رضي الله عنه.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)
لما ذكر تعالى أن المؤمنين بعضُهم أولياء بعض، قطع الموالاة بينهم وبين الكفار، كما قال الحاكم في مستدركه:
حدثنا محمد بن صالح بن هانئ، حدثنا أبو سعد يحيى بن منصور الهروي، حدثنا محمد بن أبان، حدثنا محمد بن يزيد وسفيان بن حسين، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتوارث أهل ملتين، ولا يرث مسلم كافرًا، ولا كافر مسلما"، ثم قرأ: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه
قلت: الحديث في الصحيحين من رواية أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" وفي المسند والسنن، من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتوارث أهل ملتين شتى" وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال أبو جعفر بن جرير: حدثنا محمد، [عن محمد بن ثور] عن معمر، عن الزهري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ على رجل دخل في الإسلام فقال: "تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتصوم رمضان، وأنك لا ترى نار مشرك إلا وأنت له حرب"
وهذا مرسل من هذا الوجه، وقد روي متصلا من وجه آخر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "أنا بريء من كل مسلم بين ظهراني المشركين"، ثم قال: "لا يتراءى ناراهما"
وقال أبو داود في آخر كتاب الجهاد: حدثنا محمد بن داود بن سفيان، أخبرني يحيى بن حسان، أنبأنا سليمان بن موسى أبو داود، حدثنا جعفر بن سعد بن سَمُرَة بن جُنْدُب [حدثني خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان بن سمرة] عن سمرة بن جندب: أما بعد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله"
وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه، من حديث حاتم بن إسماعيل، عن عبد الله بن هرمز، عن محمد وسعيد ابنى عبيد، عن أبي حاتم المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم من تَرْضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". قالوا: يا رسول الله، وإن كان؟ قال: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه" ثلاث مرات.
وأخرجه أبو داود والترمذي، من حديث حاتم بن إسماعيل، به بنحوه
ثم رُويَ من حديث عبد الحميد بن سليمان، عن ابن عَجْلان، عن ابن وَثيمةَ النَّصْري عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"
ومعنى قوله تعالى: (إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) أي: إن لم تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين، وإلا وقعت الفتنة في الناس، وهو التباس الأمر، واختلاط المؤمن بالكافر، فيقع بين الناس فساد منتشر طويل عريض.
¥