وعندما دعا إبراهيم الذي وفّى عليه السلام قال: (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء).
ولهذا عندما وصف الله تعالى إسماعيل عليه السلام قال: (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة)
ولما وصف ذرية إبراهيم عليه السلام قال: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة)
ولذلك عندما يهب الله تعالى صفوة عباده الأنبياء، يهبهم صفوة عباده أيّ يجعل النبوة في ذريتم أيضا، يكون ذلك في الصلاة، كما قال تعالى في قصة زكريا ويحيى (فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب)
وكان أعداء الرُّسُل يعلمون أن الصلوات هي أعظم ما جاءت به الرسُل بعد الشهادة بالتوحيد، ولهذا قالوا في قصة شعيب عليه السلام مثلا: (يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا).
وعندما وصف الله تعالى هؤلاء الصفوة من الأولين والأخرين قال: (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم واسرائيل ممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا)
وعندما وصف الإنحراف فيمن بعدهم بدأ بذكر إضاعة الصلاة: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا يعنى واديا في جهنم)
وفي يوم القيامة، يفرق الله بين المؤمنين والمنافقين، بالأمر بالسجود وهو أجل أفعال الصلاة ـ ولهذا اشتقت المساجد من السجود، وصار المصلّي أقرب ما يكن من ربه وهو ساجد، ولهذا جعل السجود مثنى في الصلوات بخلاف القيام والركوع ـ وعند ذلك الموقف المهيب يسجد أهل الإيمان، ويسقط أهل النفاق على وجوههم،
وكان نبيُّنا صلَّى الله عليه وسلم يفخر بأنه أوّل من يؤذن له بالسجود يوم القيامه تحت عرش الرحمن، لأنّه أعظم شرف، ولهذا يعطى أرفع مكانة على كلِّ الأولين والآخرين بعد ذلك السجود، وهو المقام المحمود.
والصلاة هي سبب بقاء السموات والأرض، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)
وهذا الإمساك بسبب ما ذكره في هذه الآية: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)
فالله تعالى يمسك السموات والأرض من أجل صلاة الخلق، صلاة الملائكة في السماء، كما قال تعالى: (وإنا لنحن الصافّون وإنا لنحن المسبّحون)، وكما في الحديث (أطّت السماء وحق لها أن تئط، والذي نفس محمد بيده، ما فيه موضع شبر، إلاّ وفيها جبهة ملك ساجد يسبح الله بحمده)، وصلاة المخلوقات كلُّها في الأرض كما قال تعالى: (كلُّ قد علم صلاته وتسبيحه).
فالكون كلُّه في صلاة دائمة، ولهذا تبقى الحياة، وتبقى الدنيا، ولهذا فرضت علينا الصلوات الخمس، لنكون نحن أيضا في صلاة دائمة، في كل أوقات اليوم، فنحن بين صلاة أدّيناها، وبين صلاة ننتظرها، ولذا تقول الملائكة لله عن المسلمين: (أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون) فنصلي مع الكون لله تعالى، فتبقى الحياة وتستمر.
وهذا هو السرِّ الذي جعلنا خير أمة أخرجت للناس، وفجَّر فينا طاقات الخير كله، فملأنا الأرض نورا، وهدى، ورحمة، وإحسانا، أنها هي الأمة الوحيدة التي تصلي مع الكون كلِّه.
وهذا هو السر الذي جعلنا متخلفين بعد أن قصرنا في أمانة الصلاة، ولهذا ورد في الحديث (تنقض عرى الإسلام عروة عروة، فأوُّلهنّ نقضا الحكم، وآخرهنّ الصلاة) رواه أحمد وابن حبان وغيرهما،
كما جاء أن أول ما يذهب من الصلاة الخشوع رواه الطبراني، لأنه جوهرها، وقطب رحاها، فإذا ضيع الخشوع، ضُيِّعت بعده، وإذا أضيعت الصلاة، ضاعت الأمة، كما يضيع العبد بإضاعة الصلاة سواء بسواء.
ولهذا أحسب ـ والله أعلم ـ أنَّ الأمة لن تنهض من جديد إلاَّ بعودة المسجد الأقصى إلى أحضانها، وإقامة الصلاة فيه، كما كانت تقام فيه تحت راية الإسلام.
وأنَّ سيطرة اليهود عليه هو سرُّ التيه الذي نحن فيه، ومن تأمل التاريخ رأى بوضوح أن المؤامرة بدأت منذ مخططهم للإستيلاء عليه، ومن أجل ذلك مزقت الأمة، وقطعت أوصالا بإزالة الخلافة، ثم تمت عندما سقط في أيديهم، وصارت الأمة بعده في تراجع مستمر.
ثم إنّ كلِّ المصائب التي حلّت على أمتنا من التحالف الصهيوصليبي وإحتلالهم بلاد الإسلام، ومكرهم الليل والنهار ضد الأمة، إنما هو لإكمال مخططهم ضد المسجد الأقصى، بهدمه كليا، ومنع الصلاة فيه منعا نهائيا، نسأل الله أن يخيب ظنونهم، ويردهم على أعقابهم خاسئين.
ولهذا فإن الجهاد اليوم أعظم أجرا مما مضى، والتفريط فيه أقبح جرما مما مضى، والمخذِّل عنه أشدّ خيانة للأمة مما مضى.
وختامنا ما ختم به نبينا صلى الله عليه وسلم حياته التي هي أعظم حياته، عندما أوصى بالصلاة، وهو يفارق هذه الأمة، ويلحق بالرفيق الأعلى.
فنسأل الله تعالى أن يجعل حياتنا صلاة، ويجعل الصلاة هي حياتنا، وأن يحيي الصلاة في أمّتنا لتحيا بها بين الأمم رفيعة الجانب، عزيزة المقام، عالية بالإسلام.
آمين.
بقلم الشيخ حامد العلي