تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح: 29) رضي الله عنهم أجمعين.

ولما بعُدَ الناس عن مشكاة النبوة حسا ومعنا، بتقادم الزمان وظهور مختلف الفتن والأهوال، وميل الناس إلى ملذات الدنيا وبعدهم عن أسباب السعادة في أخرى، نسي الكثير هذه الرابطة الإيمانية، وقَلَّ منهم من كان على الطريقة السلفية، في حقيقة تقارب المسلمين واتحادهم، وتكاتفهم وتآلفهم، ففرقت بينهم الديار، وغشيتهم عقلية الكفار، فصار كل مصر بما فيه يفتخر، فشبت الحروب بين أبناء الأمة الواحدة، وتقسمت رقع الأمصار المسلمة، فحدث الفراق وحُدَّت الحدود، وغلبت عليهم الجاهلية الجهلاء والعصبية العمياء، فترامى كل قطر في زاوية، واتخذ كل شعب شعائر هي عن تعاليم الدين خاوية، فاعتبر المشرقيُّ المغربيَّ غريبا، وشرَّق المغربيُّ المشرقيَّ تشريقا، وقالوا بلسان حالهم (شتان بين مشرق ومغرب) وقد نسوا قول الملك المالك (وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) (البقرة: 115) وهو سبحانه (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) (الرحمن: 17).

ولا يفهمنَّ عاقلٌ خلاف المقصود، فينفي تَعدد البلدان وتكاثر الأمصار وتزايدها، فإن هذا غير المراد، "فالدين وإن كان من حيث عموم رسالته حقيقة عالمية لا تحده الحدود، ولا تحول دونه الفواصل إلا أنه من حيث تحقيقه في موقع مَّا محكوم بمؤثرات سياسية وقدرات ذاتية؛ ومن ثم كان في تشريعاته رفع الحرج، وإرادة اليسر والإتيان منه بالمستطاع.

غير أن غياب الصحوة العلمية في ترشيد الصحوة الإسلامية غيَّب الكثير من مثل هذه المفاهيم، وخلط ثوابت الأمور بمتغيراتها بسننها وفرائضها، ومكّن الرويبضة من أن يتحدث في أمور العامة دون أثارة من علم، وصارت الصدارة أحياناً للمتفيهقين والمتشدقين من الذين يحملون الناس على فتاوى شاذة وغريبة، غاية ما تؤدي إليه الإدبار عن الدين، والنفور عن المسلمين." (10)

ومن بين ما ذُكر وزُبر، تسمية طلاب العلم الميامين، المجاورين بالحرمين الشريفين، الحاملين لكتاب الله تعالى، الناصحين للأمة المتبعين لسلفها المقتدين بنبيها صلى الله عليه وسلم بالمتخلفين أو بالمفرد المتخلف، وهو من تخلف عن ركبه وارتكب المعصية بفعله، فخالف النظم الوضعية، وامتطى عين الأذية، وصار بذلك آثما عِصيَّا، بل وذهب بعضهم إلى أبعد بعيد ونسَّق من الفتاوى كل شارد طريد، فجاء بالشذوذ حيث جعل حجهم باطلا، وسعيهم عاطلا، فصفّهم في صف الخوارج العصريين المارقين عن النظم المستحدثة، والمخالفين للسياسة المستمدحة، وما ذنبهم إلا أنهم تركوا آباءهم وأمهاتهم للعلم وأهله، فكابدوا العناء النفسي قبل العناء البدني، ولكنهم دوما على عزيمة ومضي ولقد صدق من قال (11):

شرف الشعوب علومها وحياتها ***** أن تصلح الأخلاق والأعمال

وإذا الشباب رمى الأمور بعزمه ***** عنت الصعاب وخفت الأثقال

ولهذا لما ألزموا بيان حكم المجاورة، حادوا عن الإجابة، وقد قلنا إنها لا تخرج عن هذه الثلاث:

- إما أنها جائزة.

- وإما أنها غير جائزة.

- وإما أنها مسكوت عنها.

فاستعنت بالله العلام العليم، أن أجمع ما يسر جمعه، من بيان حقيقة المجاورة، وحكمها في الدين، وبيان حقيقة ما عليه هؤلاء الطلاب المجاهدين، وإنما مقصودي تبيين الحق الواضح المبين، حتى لا يُكتم ولا يُهدم، وهذا لما رأيت من عناء وتعب بدا على إخواني الطلاب، وانسدت عليهم في المسألة الأبواب، ولكن الإنصاف مطلوب وقول الحق واجب مرغوب، فإن المشايخ والعلماء دائما في عونهم ونصحهم، فقد وجدنا منهم من هو بمنزلة الأب الشفيق على أبنائه، وكيف لا وأبوة الدين أوثق من أبوة الطين، ولكن الكلام لا يشمل جملة هؤلاء اللهاميم السادة الجراثيم، فإن شأنهم عالي ومقامهم في القلب سامي، وكيف يحق لحقير مثلي أن يرد على المشايخ العلماء الموقرين النبلاء، وإنما هو من بابٍ علميٍّ أطرح موضوعي وأقيد بالمنهجية مشروعي، سائلا الله تعالى أن يهديني وإخواني إلى طريقه المستقيم، طريق الأنبياء والمرسلين، طريق غير المغضوب عليهم ولا الضالين، وسميت هذا الجمع المبارك – إن شاء الله تعالى – بـ (نصيحة وتبين لمن سمى المجاورين بالحرمين المتخلفين).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير