فالله عوني وبه اعتمادي وحولي، لا إله إلا هو، بيده ملكوت كل شيء، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللهم فقهنا في الدين وثبتنا عليه يا قوي يا متين، اللهم اغفر لعلمائنا أجمعين الأحياء منهم والميتين، اللهم لا تجعل في قلوبنا غلا على أحد من عبادك يا رب العالمين.
وكأي جمع مكتوب فهو لا يخلو من صواب ومكذوب، فمن رأى الخلل فليقم بيننا جسور النصائح، ومن عاين عيبا فليجتب قبح الفضائح، فإن الحق ضالة كل راغب فيه والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
خطة البحث
فقد وضعت لهذا الجمع منهجية ونقاطا أسير عليها وتمثلت فيما يلي:
- مصطلح المجاورة في اللغة والشرع.
- يبان المقصد من مجاورة الحرمين الشريفين.
- الأدلة على الترغيب في مجاورة الحرمين الشريفين.
- مناقشة الأدلة وبيان مدلولها.
- مفهوم المصلحة المرسلة في اللغة والشرع.
- مصطلح التخلف بين الحقيقة والعرف.
- أدلة المانعين ومناقشتها.
- تغيير المصطلحات الشرعية بالمصطلحات الوضعية.
- بعض الفروق بين المجاورة والتخلف.
- نصيحة لمن يسعى في أذية المجاورين.
- نصيحة إلى المجاورين.
- خاتمة.
مصطلح المجاورة في اللغة والشرع
لا شك أن معرفة حدود المصطلحات الشرعية يزيد من فهم المسائل وتقريب صورها في ذهن الدارس لها، وإن معرفة المعاني اللغوية لأي مصطلح يجعل المرء يضع الكلمة في مكانها من غير خلل ولا زلل، إذا اللغة محكمة من حيث أصولها ولهذا كانت غالب المصطلحات الشرعية مستمدة من معانيها اللغوية، إما بزيادة معنا أو بالتنصيص على جزئية أو بنفس المصطلح اللغوي، فتجد أن المعنى اللغوي والشرعي واحد.
وأما ما يختص بمصطلح المجاورة فنجد:
- المعنى اللغوي (12): جاور يجاور مجاورة فالمصدر المجاورة، يقال: جاوره: مجاورة وجوارا ساكنه ولاصقه في المسكن، وأعطاه ذمة يكون بها جاره ويجيره.
وكذلك المجاورة الاعتكاف في المسجد وفي الحديث: " كان يجاور في العشر الأواخر " أي اعتكف فيه، ومنه المجاوِر وهو المعتكف في المسجد وغَلَبَ هذا اللقب على طالِبِ العِلْمِ في الأَزْهَر حتّى منتصف القَرْن العِشْرين؛ ويقال جاور المدينة أو مكة وبني فلان وفيهم تمتع بجوارهم.
فنستخلص من التعريف اللغوي أن المجاورة هي:
المساكنة، والملاصقة، وما يترتب عنهما من حق الجوار وهي إعطاء الذمة والأمان.
وعند تقييدها بالمسجد تصبح بمعنى الاعتكاف، أي ملازمة المسجد بالتزام شرائط الاعتكاف الشرعي، وعند تقييدها بالحرمين تصبح بمعنى المُقام في مكة أو المدينة من غير تقييد باعتكاف.
- المعنى الاصطلاحي: فيؤخذ من تعريفه اللغوي وهو:
مجاورة الحرمين أي: المُقام مطلقًا غير ملتزم بشَرائِط الاعْتِكاف الشَّرْعِي.
ويسمى هذا في لسان العرب أيضا: الثَّوِيّ.
قال الأزهري في تهذيب اللغة (مادة ثاثا):" عن ثعلب، عن ابن الأعرابي: الثَّوىّ: الضيف؛ والثوي: المجاورة في الحرمين."
وقال الزبيدي في تاج العروس (37/ 307) مادة (ثهو): الثَّوِيُّ: (المُجاوِرُ بأحدِ الحَرَمَيْن)؛ ونَصُّ ابنِ الأعْرابيِّ: بالحَرَمَيْنِ."
ومن هذا التعريف ندرك ما يقوله العوام في الزائرين والمعتمرين من أنهم ضيوف الرحمن، وهذا له وجهة قوية من النظر اللغوي، إذا الذي يأتي إلى الحرمين ليعبد الله تعالى ويظفر بالصلاة فيهما، هو ضيف الرحمن، فيحرم أذيته، لاجتماع الحرمة المكانية بالحرمة الحالية وهي كونه ثاويا في المسجد مجاورا له فهو ضيف البيت.
وبهذا ندرك المراد من هذا المصطلح الشرعي الذي جعله الله تعالى متعلقا بهذا الصنف من الناس، وهم ضيوف بيته المجاورون له الذي قَصدُهم المقام دون قصد الاعتكاف، لأن الاعتكاف غالبا يتقيد بمدة وشرائط بخلاف مطلق الإقامة والله أعلى وأعلم.
بيان المقصد من مجاورة الحرمين
¥