تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَالرِّفَادَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ وَيُوصِي لَهُ." (6)

ولتجدنَّ من أسمى القصص وأرفع الحكايات وأعز ما رُوي في الأُخُوة الحقيقية البيِّنة بين الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين لما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع الأنصاري عرض عليه أن يناصفه أهله وماله." (7) وفي رواية قال سعدٌ لعبد الرحمن:" قد علِمَت الأنصار أني من أكثرها مالا سأقسم مالي بيني وبينك شطرين ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلقها حتى إذا حلت تزوجتَها." (8).

فيا لله من هذه الأخوة كيف كانت، ينصِّف ماله ويطلِّق إحدى زوجيه حتى يقاسم أخاه الخير كما هو في خيرٍ مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام:" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه أو قال لجاره ما يحب لنفسه." (9) ولهذا نعتهم الله تعالى بالرحمة النابعة من هذه الأخوة الدينية في قوله سبحانه (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح: 29) رضي الله عنهم أجمعين.

ولما بعُدَ الناس عن مشكاة النبوة حسا ومعنا، بتقادم الزمان وظهور مختلف الفتن والأهوال، وميل الناس إلى ملذات الدنيا وبعدهم عن أسباب السعادة في أخرى، نسي الكثير هذه الرابطة الإيمانية، وقَلَّ منهم من كان على الطريقة السلفية، في حقيقة تقارب المسلمين واتحادهم، وتكاتفهم وتآلفهم، ففرقت بينهم الديار، وغشيتهم عقلية الكفار، فصار كل مصر بما فيه يفتخر، فشبت الحروب بين أبناء الأمة الواحدة، وتقسمت رقع الأمصار المسلمة، فحدث الفراق وحُدَّت الحدود، وغلبت عليهم الجاهلية الجهلاء والعصبية العمياء، فترامى كل قطر في زاوية، واتخذ كل شعب شعائر هي عن تعاليم الدين خاوية، فاعتبر المشرقيُّ المغربيَّ غريبا، وشرَّق المغربيُّ المشرقيَّ تشريقا، وقالوا بلسان حالهم (شتان بين مشرق ومغرب) وقد نسوا قول الملك المالك (وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) (البقرة: 115) وهو سبحانه (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) (الرحمن: 17).

ولا يفهمنَّ عاقلٌ خلاف المقصود، فينفي تَعدد البلدان وتكاثر الأمصار وتزايدها، فإن هذا غير المراد، "فالدين وإن كان من حيث عموم رسالته حقيقة عالمية لا تحده الحدود، ولا تحول دونه الفواصل إلا أنه من حيث تحقيقه في موقع مَّا محكوم بمؤثرات سياسية وقدرات ذاتية؛ ومن ثم كان في تشريعاته رفع الحرج، وإرادة اليسر والإتيان منه بالمستطاع.

غير أن غياب الصحوة العلمية في ترشيد الصحوة الإسلامية غيَّب الكثير من مثل هذه المفاهيم، وخلط ثوابت الأمور بمتغيراتها بسننها وفرائضها، ومكّن الرويبضة من أن يتحدث في أمور العامة دون أثارة من علم، وصارت الصدارة أحياناً للمتفيهقين والمتشدقين من الذين يحملون الناس على فتاوى شاذة وغريبة، غاية ما تؤدي إليه الإدبار عن الدين، والنفور عن المسلمين." (10)

ومن بين ما ذُكر وزُبر، تسمية طلاب العلم الميامين، المجاورين بالحرمين الشريفين، الحاملين لكتاب الله تعالى، الناصحين للأمة المتبعين لسلفها المقتدين بنبيها صلى الله عليه وسلم بالمتخلفين أو بالمفرد المتخلف، وهو من تخلف عن ركبه وارتكب المعصية بفعله، فخالف النظم الوضعية، وامتطى عين الأذية، وصار بذلك آثما عِصيَّا، بل وذهب بعضهم إلى أبعد بعيد ونسَّق من الفتاوى كل شارد طريد، فجاء بالشذوذ حيث جعل حجهم باطلا، وسعيهم عاطلا، فصفّهم في صف الخوارج العصريين المارقين عن النظم المستحدثة، والمخالفين للسياسة المستمدحة، وما ذنبهم إلا أنهم تركوا آباءهم وأمهاتهم للعلم وأهله، فكابدوا العناء النفسي قبل العناء البدني، ولكنهم دوما على عزيمة ومضي ولقد صدق من قال (11):

شرف الشعوب علومها وحياتها ***** أن تصلح الأخلاق والأعمال

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير