تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتدبر -رحمك الله- سياق الآيات التي أتى فيها هذا الاسم الشريف -اسم الكبير- فإنك لتجدها في تنزيه الله -تعالى- عن كل نقض أو نقص اقترفه الناس فيما أوجبه عليهم من حق توحيده والتعبد له بلا شريك كما في قوله -تعالى-: (ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) (غافر:12)، فهو الكبير -سبحانه- فلا يكبره شيء، ومقتضى وصفه بالكبر المطلق أن يُستدل بذلك على إفراده بالعبودية فهذا مقتضى تكبيره، وكل ما سواه فحقه التصغير فكيف يتعلق القلب بمثل ذلك؟!

وقد حكم الله -تعالى- واقتضت أسماؤه وصفاته أن كل ما سواه باطل كما قال -سبحانه-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (الحج:62)، وقوله -جل ذكره-: (ذلك ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (لقمان:30)، وذلك يقتضي التدبرُ في ذلك الاسم مجاوزة وصف الذات إلى وصف الأفعال، فأفعاله -سبحانه- كذلك كبيرة في جلالها وحكمتها، حقها أن يكبِّرها العبد تكبيرا، ولعل ذلك استئناس باقتران اسم الكبير مع صفة العلو، على عكس ما ذكرناه قبل، فإجمال العلو للذوات والمعاني أظهرَ في صفة الكبير استيعابا لجميل أفعاله -سبحانه-، كما في قوله -جل ثناؤه-: (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَار. عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) (الرعد:8 - 9)، والله أعلم.

وفي قوله -تعالى-: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (النساء:34)، تنبيه على تعبد لازم للقلب بهذا الاسم الجليل حال كون العبد متعاطيا لسبب يرفعه على غيره، كما في علاقة الزواج فناسب في مقام مطالبة الزوج بالتجاوز والعفو مع التمكن من ضده أن يأتي بهذين الاسمين، فإنه يغيب بشهود علوِّ الله -تعالى- على جميع خلقه عن شهود علوِّه على أهله، ويفنى ما أُعطي من أسباب الكِبَر على زوجه بما يرى من مطلق كبَر الله -تعالى-، والله تعالى أعلم.

الإشارة الثانية:

التكبير من أظهر شعائر الدين والإيمان، وأكثر الذكر ترددا على اللسان، فانظر كيف صار شعار الإسلام في أذان الصلاة؟! بل ما اجتزئ فيه بتكبيرة، بل أربع، كل منها تعلن بالشعار وتؤكد ما لأختها من الآثار، وتنبه القلوب على توحيد الله -تعالى- ومعرفته باسمه الكبير الذي لا يكبره شيء، وتمهد لتحقيق كلمة الإخلاص وشهادة الحق؛ لتأتي ألفاظ الشهادتين على القلب مستحضرٌ ما فيها مستقبلٌ معانيها، فالتكبير حريمها وبابها كما في شأن الصلاة، فهو تحريمة كل صلاة فرضا أو نفلا، جماعة أو فردا.

فمفتاح الصلاة ومدخلها التكبير، فحق الدخول إليها أن يكون مستصحبا بما في التكبير من المعنى، بل تجد ذلك مؤكدا بتكبيرة عند كل انتقال من ركن إلى الذي يليه، فالتكبير فتح له باب الصلاة وسلَّمه من ركن إلى ركن ليتأكد له استصحاب عبودية القلب بتكبير الله -تعالى-، والتعلق باسمه الكبير حال صلاته كلها، فلا يتم له أركانها -من جهة القيام بحقوق ذلك واستثماره في عبودية قلبه وتزكية نفسه- إلا بشهود تلك المعاني، وعلى قدرها تحصل له تلك الثمار، ويجد نفسه بعد الخروج منها مأمول الآثار.

فلما كانت الصلاة في أصلها كبيرة يثقل القيام بحقوقها، يسَّرَها التكبير، وخفف على النفس ثقلها وكبرها، فالله أكبر، فكل ما يكبُر عليه، كبَّر فيه، فالله أكبر، كما إذا ما روعه أمر، كبَّرَ فأذهبه، كاضطرام النار، أو رفعه شيء، كبر فأدبه، كصعوده في الأسفار، أو خشي ما يحذر، كبر فردَّه، كخشية العين، أو غالبه مانع، كبر فهدَّه، كما في فتح رومية، بل في كل مغالبة وممانعة، فالله أكبر عدة أهل الدين فيها، يتقوون بها، ويتأسون بهديه -صلى الله عليه وسلم-: (الله أكبر، الله أكبر، خربت خيبر) متفق عليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير