تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فحق ذلك بعدها أن يتهيأ قلبه لكلمة الحق، وشهادة الصدق لا إله إلا الله، ليعلن العبد بقلبه أن مدار كل ذلك على كلمة الإخلاص، على كلمة النجاة، على الكلمة التي أنزل الله -عز وجل- كتباً وأرسل رسلاً ليدعوَ الناس أجمعهم إليها، "لا إله إلا الله" تلك الكلمة التي قام لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنادى العرب أجمعهم، وقال: أيها الناس .. أيها العرب .. قولوا "لا إله إلا الله" تفلحوا.

تلك الكلمة التي بها نجاة الآخرة وتمكين الدنيا، "لا إله" نفيٌ عن كل شيء، لِتَسْلُب بذاك النفي كل شيء ادعاءه، تسلب كل هذه الأسباب، تسلب كل مدعٍ ما ادعاه، "لا إله" على الإطلاق، نفيٌ وسلب تام، لم يعد يصح لأحد أي ادعاء، لا برهان ولا تصديق، "لا إله"، فلا تجد في قلبك توكلاً على أحد، ولا استعانةً بأحد، ولا رجاء في أحد، ولا خوفاً من أحد، كل ذلك ينفى بمقتضى قولك: "لا إله".

ثم ترد ذلك كله لتثبته في شيء واحد، لا ترى حقا لأحد سواه، "إلا الله" -سبحانه وتعالى- "لا إله" سلبٌ ونفيٌ تام، "إلا الله" إثباتٌ مطلق تام، على قدر ما نفَيْتَ عن كل مدعٍ من الخلق شيئاً تتوكل به عليه، تستعين بِهِ، تخاف بسببه منه، ترجوه لأمرٍ فيه، على قدر ما تنفيه عنه، على قدر ما تثبته للواحد القهار، تجعل ذلك كله في الله، وبالله، ولله، وعلى الله، ومن الله، "فلا إله إلا الله" لا تتوكلوا إلا عليه، ولا تخافوا إلا منه، ولا ترجوا إلا إياه، ولا تستعينوا إلا به، ولا تحبوا إلا فيه، ولا تبغضوا إلا له، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162 - 163).

"لا إله إلا الله والله أكبر" ثم تكبيرة رابعة، تكبيرة تجبر نقص ما حقه أن يكون في قلبك من التوحيد بعد شهادة الحق وكلمة الإخلاص، علما وعملا، فإن دافع علمك بالله شبهة؛ فالله أكبر، وإن عارض عملك شهوة؛ فالله أكبر، فأنت تدفع بتكبيرك الشبهات، وترد عن نفسك الشهوات، فالله أكبر من كل ذلك، فالله أكبر من قوادح توحيدك، فالله أكبر من آفات ونقائص عبوديتك، فينجبر من القلب ذلك ويلتئم جرحه، فالله أكبر جبر والتئام.

"الله أكبر ولله الحمد" تكبيرة خامسةً تثبت ذلك وتوثقه، تستشعر فيها وكأنك صرت الآن في حصن حصين، في قلعةٍ متينة ربها الله، صرت الآن في حصنه، في حرزه، في حراسته، في معيته، في حزبه، في نصرته،) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) (الزمر:36)، فأنت حققت بذلك عبوديةً كريمة، صرت بها في حسب الله -تعالى-.

"الله أكبر" تكبيرةٌ خامسة حقها أن تجد في قلبك بعدها أمناً وسلاماً، قد صرتَ في حفظ الله الكريم، في حفظ الله الحفيظ، في حفظ الله المتين، فأيُ شبهةٍ تعتريك بعد ذلك، وأي شهوةٍ تغريك بعد ذلك، فأنت الذي تولاك الله.

حق تلك التكبيرات بعدها أن تجد ذلك الأمن والسلام، فيأتي الحمد بعد ذلك في موقعه "الله أكبر ولله الحمد" لا لغيره، فالحمد كله لله على نعمة الإسلام، والحمد لله على نعمة الإيمان، والحمد لله على تعليمه القرآن، والحمد لله على وحيه لسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-.

وترى الحمد إثباتاً لنعمة الله عليك، الذي وهبك ذلك كله، لا لسببٍ فيك ولا لقوةٍ بك ولا لحولٍ لك، بل لا حول ولا قوة إلا بالله، فقد أعطاك بغير سبب ووهبك بغير سؤال، فإن كبَّرت فقد ابتدأك بتشريع التكبير، وإن حَمَدت فقد ابتدأك بقبول ذلك منك، فهو الأول فمنه كل شيء، وهو الآخر فإليه كل شيء، فالله -عز وجل- منه كل خير وإليه، فكل خير تجده فحق ذلك أن تجد قلبك يصرخ: بأن الحمد لله لا لغيره "فالله أكبر ولله الحمد".

فالله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير