تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يمنعه ويضعفه, فالمنهي عنه مطلوب إعدامه طلب الوسائل والذرائع, والمأمور به مطلوب إيجاده طلب المقاصد والغايات: وقول أبي هاشم: إن تارك القبائح يحمد وإن لم يخطر بباله كف النفس. . فإن أرادبحمده أنه لا يذم فصحيح, وإن أراد أنه يثني عليه بذلك ويحب عليه ويستحق الثواب فغير صحيح. فإن الناس لا يحمدون المحبوب (أي مقطوع الذكر) على ترك الزنا ولا الأخرس على عدم الغيبة والسب, وإنما يحمدون القادر الممتنع عن قدرة وداع إلى الفعل. وقول القاضي الإبقاء على العدم الأصلي مقدور, فإن أراد به كف النفس ومنعها فصحيح, وإن أراد مجرّد العدم فليس كذلك. وهذا يتبين بالوجه الثالث عشر: وهو أن الأمر بالشيء نهي عن ضده من طريق اللزوم العقلي لا القصد الطلبي, فإن الأمر إنما مقصوده فعل المأمور. فإذا كان من لوازمه ترك الضد صار تركه مقصودا لغيره, وهذا هو الصواب في مسألة الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده أم لا؟ فهو نهي عنه من جهة اللزوم لا من جهة القصد والطلب. وكذلك النهي عن الشيء, مقصود الناهي بالقصد الأول الانتهاء عن المنهي عنه وكونه مشتغلا بضده جاء من جهة اللزوم العقلي, لكن إنما نهى عما يضاد ما أمر به كما تقدم, فكأن المأمور هو المقصود بالقصد الأول في الموضعين.

وحرف المسألة: أن طلب الشيء طلب له بالذات ولما هو من ضرورته باللزوم, والنهي عن الشيء طلب لتركه بالذات ولفعل ما هو من ضرورة الترك باللزوم, والمطلوب في الموضعين فعل وكف, وكلاهما أمر وجودي. الوجه الرابع عشر: أن الأمر والنهي في باب الطلب نظير النفي والإثبات في باب الخبر, والمدح والثناء لا يحصلان بالنفي المحض إن لم يتضمن ثبوتا, فإن النفي كاسمه عدم لا كمال فيه ولا مدح, فإذا تضمن ثبوتا صح المدح به كنفي النسيان المستلزم لكمال العلم وبيانه. ونفي اللغوب والإعياء والتعب المستلزم لكمال القوة والقدرة. ونفي السنة والنوم المستلزم لكمال الحياة والقيّوميّة, ونفي الولد والصاحبة المستلزم لكمال الغنى والملك والربوبية. ونفي الشريك والولي والشفيع بدون الإذن المستلزم لكمال التوحيد والتفرّد بالكمال والإلهية والملك ونفي الظلم المتضمن لكمال العدل. ونفي إدراك الأبصار له المتضمن لعظمته وأنه أجلّ من أن يدرك وإن رأتهالأبصار, وإلا فليس في كونه لا يرى مدح بوجه من الوجوه, فإن العدم المحض كذلك.

وإذ عرف هذا, فالمنهي عنه إن لم يتضمن أمرا وجوديا ثبوتيا لم يمدح بتركه, ولم يستحق الثواب والثناء بمجرد الترك, كما لا يستحق المدح والثناء بمجرد الوصف العدمي. الوجه الخامس عشر: أن الله سبحانه جعل جزاء المأمورات عشرة أمثال فعلها, وجزاء المنهيات مثل واحد وهذا يدل على أن فعل ما أمر به أحب إليه من ترك ما نهى عنه. ولو كان الأمر بالعكس لكانت السيئة بعشرة أمثالها والحسنة بواحدة أو تساويا. الوجه السادس عشر: أن المنهي عنه المقصود إعدامه, وأن لا يدخل في الوجود, سواء نوى ذلك أو لم ينوه, وسواء خطر بباله أو لم يخطر. فالمقصود أن لا يكون. وأما المأمور به فالمقصود كونه وإيجاده والتقرب به نية وفعلا.

وسر المسألة أن وجود ما طلب إيجاده أحب إليه من عدم ما طلب إعدامه, وعدم ما أحبه أكره إليه من وجود ما يبغضه, فمحبته لفعل ما أمر به أعظم من كراهته لفعل ما نهى عنه. يوضحه الوجه السابع عشر: أن فعل ما يحبه والإعانة عليه وجزاءه وما يترتب عليه من المدح والثناء من رحمته. وفعل ما يكرهه وجزاءه وما يترتب عليه من الذم والألم والعقاب من غضبه. ورحمته سابقة على غضبه غالبة له, وكل ما كان من صفة الرحمة فهو غالب لما كان من صفة الغضب, فإنه سبحانه لا يكون إلا رحيما, ورحمته من لوازم ذاته كعلمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره وإحسانه, فيستحيل أن يكون على خلاف ذلك. وليس كذلك غضبه, فإنه ليس من لوازم ذاته ولا يكون غضبان دائما غضبا لا يتصور انفكاكه, بل يقول رسله وأعلم الخلق به يوم القيامة: "إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعد مثله" جزء من حديث أخرجه البخاري في تاب الأنبياء باب قول الله عز وجل {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه} 6\ 428 رقم 3340, ومسلم في الإيمان 1\ 184 رقم 327 من حديث أبو هريرة عن الرسول. ورحمته وسعت كل شيء, وغضبه لميسع كل شيء وهو سبحانه كتب على نفسه الرحمة ولم يكتب على نفسه الغضب, ووسع كل شيء رحمة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير