فيا منْ ليس يقنعهُ خليلٌ ... ولا ألفا خليلٍ كلّ عامِ
أراكِ بقيّةً من قوم موسى ... فهمْ لا يصبرون على طعامِ
ألا ترى بأن من هذا حُبّه يصل به إلى القتل عندما يعرف أن محبوبه يخونه!!!
أرأيت محبا يقتل محبوبه؟
نعم عندما يُجري حبه على غير الفطرة.
قال ابن القيم – رحمه الله -: " فكل هذه المحاب باطلة مضمحلة سوى محبة الله وما والاها من محبة رسوله وكتابه ودينه وأوليائه فهذه المحبة تدوم , وتدوم ثمرتها ونعيمها بدوام من تعلقت به , وفضلها على سائر المحاب كفضل من تعلقت به على ما سواه وإذا انقطعت علائق المحبين وأسباب توادعهم وتحابهم لم تنقطع أسبابها ... " إغاثة اللهفان 2/ 132.
يقول علماء النفس إن أعلى معدل يمكن أن تصل له نسبة الحب هي التي تكون بين الرجل والمرأة عندما يكونان في حال الوقاع!!!
قلتُ: فإن كان الوقاع بالحلال زادت هذه النسبة لأن الله عز وجل يقول " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ".
وإن كان الوقاع بالحرام تلاشت المحبة حتى يكون كل واحدٍ يرى أنّ صاحبه من أبغضِ الناس له , لأنه يعلم أنه أحبه لشيءٍ وسيبغضه لذات الشيء , (والجزاء من جنس العمل).
قال ابن القيم – رحمه الله -: " وربما كانت المحبة لسبب من الأسباب وتلك تفنى بفناء سببها ". روضة المحبين 86.
يقول العشاق بأن دواء الحب الوصال والأنس بالمعشوق!!!
وأنا أقول: " كل حبٍ لا يتمُ بزواج فهو حبٌ كاذب فاليحذر طرفيه ".
وبعد هذه الصفحات القاتمة من حال معذبي الحب , سأنتقل بكم إلى أنصع وأجمل صفحة في تاريخ البشرية , الصفحة التي كان الحب فيها مثالا يحتذى للمحبين , كيف لا , وهو الذي جعله الله عز وتبارك أسوة وقدوة للناس في كل شيء من أخلاقه وعباداته وتصرفاته وتعاملاته!!!
إنها صفحة النبي الأعظم صلوات ربي وسلامه عليه ما كرّت الأعصار وما تعاقب الليل والنهار.
ولي وقفات مع حبه صلى الله عليه وسلم , ابدأها بحبه صلى الله عليه وسلم لزوجاته:
روى أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وكان له غلام يقال له انجشة يحدو بإبل النساء ويسرع المشي فقال له صلى الله عليه وسلم: " رويدك يا أنجشة لا تكسر القوارير أو قال سوقك بالقوارير " أخرجه البخاري 5/ 2278 , ومسلم 7/ 87.
قال أبو قلابة – رحمه الله -: " فتكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة لو تكلم بها بعضكم لعبتموها عليه , قوله (سوقك بالقوارير) " , وقال البغا شارح البخاري لأن فيها ملاطفة وتوددا إلى النساء.
وجاء في الصحيح عن عائشة – رضي الله عنها - قالت كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ فيشرب , وأتعرّق العِرْق وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ " أخرجه مسلم 1/ 168.
وقد سأله عمرو بن العاص – رضي الله عنه – عن أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم فقال: " عائشة , قال من الرجال؟ قال: أبوها , قال: ثم من؟ قال: عمر " كما جاء في الصحيحين , البخاري 3/ 1339 ومسلم 7/ 109.
فهل رأيتم حباً أعظم من هذا؟ أن يُسمّي المُحِبُ محبوبه على الأشهاد ليتناقله الرواة جيلا بعد جيل!!!
فإن تعجبوا من هذا فقد جاء في مسند الإمام أحمد أعجب من هذا بمراحل!!!
أخرج الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في نزع الموت: " إنه ليهوّن عليّ أني رأيتُ بياض كفِ عائشة في الجنة " المسند 6/ 138 وفي السند رجل مجهول إلا أن ابن كثير جوّد إسناده وهو صالح.
فيا الله أي حب أعظم من هذا؟ أين العشّاق عن مثل هذا الحب الشريف العفيف؟ أين صرعى الهوى والهيام أتباع الشيطان عن إتباع هذا الرسول الكريم بنفسي وأهلي صلى الله عليه وسلم؟
قال ابن القيم – رحمه الله -: " فلا عيب على الرجل في محبته لأهله وعشقه لها إلا إذا شغله ذلك عن محبة ما هو أنفع له من محبة الله ورسوله , وزاحم حبه وحب رسوله , فإن كل محبة زاحمت محبة الله ورسوله بحيث تضعفها وتنقصها فهي مذمومة , وإن أعانت على محبة الله ورسوله وكانت من أسباب قوتها فهي محمودة " إغاثة اللهفان 2/ 139.
¥