[ظهور التحوت]
ـ[خالد مبارك عريج]ــــــــ[14 - 09 - 10, 08:32 م]ـ
إن مما يرسم الذهول على وجنتي , و يشب سعير النار في صدري , و يجعلني في حيرة من أمري , رؤيتي لمدعي الثقافة و منتحلي العلوم , الذين يلفظون من أفواههم أحكاما موتورات مبتورات تدل على قلة فقه , و نزر حكمة , و عدم تمعن , و قصر باع في العلم , أو:قل, قصر باع في إدراك العلم على كنهه , و عدم تصور الاحكام على ماهيتها الصحيحة, و ما ذلك إلا نتيجة حتمية لما حواه هؤلاء القوم من جهل مطبق و انتفاء للثوابت الواجب وجودها لكل من أراد التكلم بأحكام تهم العامة في دينهم و دنياهم , و ما هو كذلك إلا دلالة واضحة على ان هؤلاء قد رسموا التصور في الذهن قبل طلب الدليل, فكأنهم يستدلون بأفهامهم العقيمة على نصوص الشريعة , فكأنما جعلوا التصور هو الأصل , و النص هو الفرع المؤيد, و ليت أنهم _أمنية تهكم_ لحقوا اباءهم السابقين من لي للنصوص , و تأويل للمفاهيم على وجه علمي _رغم ضعفه_ إلا انه يدل على عمق علمي على الأقل , فتنطبق عليهم مقولة شيخ الإسلام ابن تيمية (أعطوا علوما و لم يعطوا فهوما , و أوتوا ذكاءا و لم يؤتوا زكاءا) و لكنهم عن اباءهم بعيدون , و عن علومهم بائنون , فقد تمسكوا من الغراب الأبقع بذيله , و ليتهم أحسنوا الإمساك به , و لكنهم أمسكوه هنيهة ثم سقطوا , و ما ذلك إلا لضحالة علومهم و نزق فكرهم.
_ نعم , إن هذا الزمان الذي تميز _ و التميز لا يدل على الأفضلية , بل يدل على البروز سواء كان في خير و شر , أما سمعت قول الرحمن (و امتازوا اليوم أيها المجرمون) _ أقول: أن هذا الزمن الذي تميز بكثرة طرق المعرفة و تنوع مصادر التلقي فيه من كل صوب و ناحية , و رغم أن هذا فيه من الخير ما الله به عليم من نشر للعلم الشرعي الصحيح و العقيدة السلفية الصافية و محاربة لاهل البدع و الفجور , إلا أنه و في الناحية الاخرى يحمل شرا مستطيرا و داءا وبيلا , لو لم يكن فيه إلا عدم موثوقية المعلومات المنشورة _ هذا بعد تجاوزنا فتنة الشهوات المستعرة التي أضحت بحارا تموج بكل شر و عار_ لكان هذا كافيا في إعطاء طالب الحق تصورا صحيحا يؤول به إلى تدقيق المعلومة قبل تلقفها , و صحة نسبة الأقوال إلى أهلها.
_و إزاء هذا الكم الهائل من المعلومات و التي قد يتلقفها بعض المتفقهة , حاشين بها كتبهم و كلامهم , و أكثرهم لا يعلم معانيها , و لا يدرك عواقبها , بل إن غاية مناهم السير مع ركب المثقفين , و حوز وسام الشهرة , و الذي زينه و نحته _ و للأسف الشديد بعض المتدينين الذين نحسب نواياهم حسنة_ ثم يصبحون شامة يشار إليهم بالبنان و كأني بقول المصطفى الذي رواه الحاكم في المستدرك و الطبراني في الأوسط و صححه الألباني يتمثل فيهم , و هو قوله: (و الذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى, و ذكر منها: و يهلك الوعول و يظهر التحوت , فقالوا: يا رسول الله: و ما الوعول و ما التحوت؟ قال: الوعول وجوه الناس و أشرافهم , و التحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم).
إن المتكلم بما لا يعلم كالمتشبع بما لا يعط فهو كلابس ثوبي زور , و قد قال تعالى (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا و يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب و لهم عذاب أليم).
إن الاستماع للمعلومة من أي مصدر كان يوجب على الإنسان أن يكون متأصلا حيال هذه المعلومة حتى يبدي ردة الفعل المناسبة تجاه هذه المعلومة , و إن من المستمعين من يتزيا بقميص الجهل المركب , و الذي عرف بأنه عدم العلم و عدم العلم بعدم العلم , أو بعبارة أخرى: (الجهل , و عدم العلم بالجهل).
و هؤلاء الجهلة المركبون يتميزون بثقتهم العمياء في أنفسهم و احتقار الاخرين , و ما هذا إلا دليل على قلة فقههم , لذالك قال من قال: جادلت عالما فغلبته , و جادلت جاهلا فغلبني) , و هذا لأن العالم يحترم العالم , و يسبب له علمه الذي بين جنبيه الهيبة و الوقار و الرزانة عند اتخاذ الأحكام عكس الجاهل.
¥