و هؤلاء الجهلة المركبون لهم من أكثر الفئات ضررا على المجتمعات كلها , و قد قالوا: أفسد العالم أربعة: نصف متكلم و نصف متفقه و نصف متطبب و نصف نحوي , هذا يفسد الأديان و هذا يفسد البلدان , و هذا يفسد الأبدان , و هذا يفسد اللسان. و هؤلاء قد كثرت كتاباتهم و اشتدت جلبتهم و قرعت شنشنتهم التي عرفناها من أخزم فيما مضى.
إن من هؤلاء غر لا يعلم عاقبة ما يتلفظ به من أحكام , يتلقف الكلمات من هنا و هناك , فتارة من التلفاز , و تارة من الشبكة العنكبوتية , و تارة من الصحف , و قد قال شوقي: افة هذا الزمان الصحف.
ثم يأتي متبهرجا متحذلقا يقارع كبار الفحول و أساتذة الأصول, فكم واحد ما قرأ حرفا في الأصول الثلاثة و لا الواسطية و لا الحموية و لا الطحاوية و لا غيرها من كتب العقائد , ثم يأتي منافحا عن مذهب السلف_زعم_ ضد اهل الباطل , و هو لم يعلم مذهبه الذي إليه يذهب و لا عقيدته التي يعتقدها.
_ و هذه الزمرة من أشد الناس وبالا و ضررا على المسلمين , و ذلك لأنهم عند مجادلتهم أهل الباطل و العقائد المنحرف_ و هم لا يملكون نصيبا من العلم) إما أن ينقلبوا على أعقابهم و تتشرب قلوبهم الفتنة , و هذا هو الذي حذر منه السلف الصالح من عدم إصغاء لأهل البدع , و الاثار في ذلك كثيرة منها ما قاله الفضيل بن عياض رحمه الله -:) من جلس مع صاحب بدعة فاحذره , ومن جلس مع صاحب البدعة لم يعط الحكمة , وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد , اكل عند اليهودي والنصراني أحب الي من أن اكل عند صاحب بدعة (انظر كتاب السنة للامام اللالكائي - / 1139. وقال حبيب بن أبي الزبرقان رحمه الله -: < كان محمد بن سيرين اذا سمع كلمة من صاحب بدعة وضع اصبعيه في أذنيه , ثم قال: لا يحل لي أن أكلمه حتى يقوم من مجلسه).
و أما إذا عصمهم الله من النكوص على الأعقاب فلا غرو أنهم_ و حالتهم ما ذكرت_ ستكون مواقفهم ثغرة في جدار الأمة جراء ضعفهم أمام المبتدع و ضعف حجتهم فتكون النتيجة الحتمية التلبيس على المسلمين و التشكيك في عقائدهم.
_ و هؤلاء القوم يجب أن يجابهوا و أن يناصحوا فإن عادوا و إلا فيجب على ولاة الأمور الحد من شرهم و إراحة المسلمين منهم و من أذاهم.
_و يجب إظهار جهل هؤلاء القوم للناس , و أنهم لا يملكون من العلم ما يؤهلهم للكلام في هذه المزالق , و قد كان بعض هؤلاء شغوفا ببرنامج في قناة من القنوات الحوارية التي تعرض المناظرات بين اهل السنة و الرافضة , فكان يأتيني و يبث علي من مفهوماته ما أنكره و لا ينقضي عجبي منه , فقال مناظرا سائلا: متى مات صاحب الكافي (الكليني)؟ و كأنه يريد إظهار علمه و الإغضاء مني , فقلت له مبادرا: متى مات أبو بكر؟ فو الذي فق الحبة و برأ النسمة ما نطق بكلمة , فألقم حجرا و انقلب على عقبه خاسرا.
و لا بأس فيما يبدو أن يبدي طالب العلم المجابه لهؤلاء المتفقهة شيئا من علمه و حفظه حتى يعرف الناس قدره و علمه الذي تميز به على الاخر.
يا طويليب الهوى حتى متى تظهر العلم و أنت الجاهل
اتئد فالعلم منك فدفد ناضب الماء عسير قاحل
تدعي التفكير في نهج الهدى خاب فكر قد رواه فاشل
لا يغرنك ضوء في الفضاء ضوء عباد الدنايا زائل
كتبه: خالد مبارك عريج
2/ 10/1431هـ