أنَّ أحَادِيْثَ مُسْلِمٍ، فِيْمَا قِيَلَ: أنَّهَا تَزِيْدُ بِالمُكَرَّرِ على سَبْعَةِ آلافِ حَدِيْثٍ تَقْرِيْبًا (7563)، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ في طَبْعَةِ الرِّسَالَةِ نَاشِرُوْنَ.
وبِدُوْنِ المُكَرَّرِ قَرِيْبًا مِنْ أرْبَعَةِ آلَافِ حَدِيْثٍ (4000).
ثُمَّ إذَا أرَدْنَا أنْ نَتَحَقَّقَ مِنْ زَوَائِدِ «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ» على «صَحِيْحِ البُخَارِيِّ» فَلا بُدَّ أنْ نَقِفَ على أقْوَالِ أهْلِ العِلْمِ في تَحْرِيْرِهِم لضَابِطِ الاتِّفَاقِ بَيْنَ الأحَادِيْثِ، وذَلِكَ مِنْ خِلالِ مَذْهَبَيْنِ ووَسَطٍ، كَمَا يَلي:
المَذْهَبُ الأوَّلُ: مَنْ حَدَّ ضَابِطَ الاتِّفَاقِ بَيْنَ الأحَادِيْثِ: بالنَّظَرِ إلى اتِّفَاقِ مَخْرَجِ الحَدِيْثِ سَنَدًا ومَتْنًا مَعًا، كَما لو أخْرَجَ البُخَارِيُّ المَتْنَ مِنْ طَرِيْقِ أبي هُرَيْرَةَ، وخَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيْقِ ابنِ عُمَرَ، فَكِلاهُما: حَدِيْثَانِ، وهَكَذَا.
فَكُلُّ حَدِيْثٍ اخْتُلِفَ مَخْرَجُهُ يُعْتَبَرُ: حَدِيْثًا آخَرَ، ولَو اتَّفَقَ لَفْظُهُ ومَعْنَاهُ.
وهَذَا التَّحْقِيْقُ هُوَ الجَارِي على اصْطِلاحِ جَمْهُوْرِ المُحَدِّثِيْنَ؛ لأنَّهم لا يُطْلِقُوْنَ الاتِّفَاقَ على الأحَادِيْثِ إلَّا فيْما اتَّفَقَتْ على المَخْرَجِ سَنَدًا ومَتْنًا.
وعَلَيْهِ جَرَى اصْطِلاحُهُم في مَعْرِفَةِ ضَابِطِ زَوَائِدِ الأحَادِيْثِ بَعْضِهَا على بَعْضٍ، وذَلِكَ بالنَّظَرِ إلى اخْتِلافِ الرَّاوي، ولو اتَّفَقَتْ مُتُوْنُ الأحَادِيْثِ، وكَذَا بالنَّظَرِ إلى اخْتِلافِ بَعْضِ الألْفَاظِ ولو بزِيَادَةٍ يَسِيْرَةٍ، سَوَاءٌ في زَوَائِدِ الصَّحِيْحَيْنِ أو غَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ السُّنَّةِ.
المَذْهَبُ الثَّاني: مَنِ اعْتَبَر اتِّفَاقَ الأحَادِيْثِ: بالنَّظَرِ إلى اتِّفَاقِ اللَّفْظِ فَقَطُ، دُوْنَ اعْتِبَارٍ في اخْتِلافِ الرَّاوي، وهَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الحَافِظُ أبو بَكْرٍ الجَوْزَقيُّ رَحِمَهُ الله.
وعَلَيْهِ؛ جَرَى اصْطِلاحُهُ رَحِمَهُ الله في مَعْرِفَةِ زَوَائِدِ مُسْلِمٍ على البُخَارِيِّ: بالنَّظَرِ إلى اخْتِلافِ اللَّفْظِ لا باخْتِلافِ الرَّاوي.
أيْ: كُلُّ حَدِيْثٍ اخْتُلِفَ مَخْرَجُهُ، واتَّفَقَ لَفْظُهُ يُعْتَبرُ عِنْدَهُ: حَدِيْثًا وَاحِدًا.
كمَا لو أخْرَجَ البُخَارِيُّ المَتْنَ مِنْ طَرِيْقِ أبي هُرَيْرَةَ، وخَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيْقِ ابنِ عُمَرَ، فَكِلاهُمَا: حَدِيْثٌ وَاحِدٌ.
القَوْلُ الوَسَطُ: وهُوَ التَّفْرِيْقُ بَيْنَ أحَادِيْثِ الصَّحِيْحَيْنِ وبَيْنَ غَيْرِهَا مِنَ الأحَادِيْثِ.
بمَعْنَى: أنَّ مَذْهَبَ الجَمْهُوْر مُتَحَقِّقٌ ومُتَعَيِّنٌ في ضَبْطِ اتِّفَاقِ أحَادِيْثِ غَيْرِ الصَّحِيْحَيْنِ مِنْ كُتُبِ السُّنَّةِ الأخْرَى، وأنَّ مَذْهَبَ الحَافِظِ الجَوْزَقيِّ جَارٍ ومُتَّجِهٌ في أحَادِيْثِ الصَّحِيْحَيْنِ فَقَط.
وجَاءَ تَرْجِيْحُ هَذَا القَوْلِ عِنْدَنَا لأمُوْرٍ سَيَأتي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ الله.
عِلمًا أنَّني لا أعْلَمُ أحَدًا سَبَقَني إلى هَذَا الجَمْعِ، إلَّا أنَّهُ مِنَ المَسَالِكِ العِلْمِيَّةِ الَّتِي يَسَعُهَا بَابُ الاجْتِهَادِ، لاسِيَّما وأنَّني لم أخْرُجْ عَنِ الجَمْعِ بَيْنَ القَوْلَيْنِ، ولم أخْرُجْ عَنْهُما، وإلى هَذَا الجَمْعِ بَيْنَ الأقْوَالِ المُخْتَلِفَةِ ذَهَبَ إلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أهْلِ العِلْمِ، كَمَا جَاءَ عَنْهُم مَبْسُوْطًا في كُتُبِ الأصُوْلِ، فمِنَ الأمُوْرِ المُرَجِّحَةِ عِنْدَنَا لهَذَا القَوْلِ أمْرَانِ:
الأمْرُ الأوَّلُ: أنَّ غَالِبَ أحَادِيثِ الصَّحِيْحَيْنِ، لا يَحْتَاجُ تَصْحِيْحُهَا إلى مُتَابَعَاتٍ وشَوَاهِدَ، لكَوْنِهَا صَحِيْحَةً بذَاتِهَا، خِلافًا لأحَادِيْثِ كُتُبِ السُّنَةِ الأخْرَى الَّتِي يَحْتَاجُ تَصْحِيْحُ أكْثَرِ أحَادِيْثِهَا إلى مُتَابَعَاتٍ وشَوَاهِدَ، ممَّا هُوَ مَعْلُوْمٌ لَدَى أهْلِ الشَّأنِ.
¥