لِذَا؛ فَقَدِ اسْتَقَرَّتْ كَلِمَةُ عَامَّةِ المُسْلِمِيْنَ على أنَّ عَزْوَ الحَدِيْثِ إلى الصَّحِيْحَيْنِ أو أحَدِهِمَا؛ لهُوَ كَافٍ في صِحَّةِ الحَدِيْثِ وقَبُوْلِهِ، خِلافًا للرَّافِضَةِ المَجُوْسِيَّةِ، وغَيْرِهِم مِنْ أهْلِ البِدَعِ والأهْوَاءِ!
الأمْرُ الثَّاني: لقَدْ تَقَرَّرَ مِنْ قَاعِدَةِ أهْلِ الحَدِيْثِ: أنَّ جَهَالَةَ الصَّحابيِّ لا تَضُرُّ.
وعَلَيْهِ؛ فَلا جَرَمَ مِنْ رِوَايَةِ الحَدِيْثِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ في «الصَّحِيْحَيْنِ» مِنْ أيِّ طَرِيْقٍ مِنْ طُرُقِ الصَّحَابَةِ، سَوَاءٌ جَاءَ مِنْ طَرِيْقِ صَحَابِيَّيْنِ أو ثَلاثَةٍ، كَمَا لَوْ أخْرَجَ البُخَارِيُّ ومُسْلِمٍ حَدِيْثًا مِنْ طَرِيْقِ أبي هُرَيْرَةَ، وخَرَّجَهُ أيْضًا البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيْقِ ابنِ عُمَرَ، وخَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيْقِ ابنِ عَبَّاسٍ، فَلَيْسَ بالضَّرُوْرِيِّ أنْ يَعْزُوَهُ المُسْلِمُ إلى ثَلاثَتِهِم، بَلْ بحَسْبِهِ أنْ يَعْزُوَهُ إلى أحَدِهِم، لأنَّ كُلَّ الصَّحَابَةِ عُدُوْلٌ مُوَثَّقُوْنُ في قَوْلِ عَامَّةِ أهْلِ العِلْمِ.
* * *
ومِنْ خِلالِ اخْتِلافِ أهْلِ العِلْمِ في ضَابِطِ الاتِّفَاقِ بَيْنَ الأحَادِيْثِ، يَتَّضِحُ لَنَا: أنَّ زَوَائِدَ مُسْلِمٍ على البُخَارِيِّ تَخْتَلِفُ أعْدَادُهَا باخْتِلافِ أصْحَابِ المَذْهَبَيْنِ، كَمَا يَلي:
فعَلى مَذْهَبِ جَمْهُوْرِ المُحَدِّثِيْنَ: فَإنَّ عِدَّةَ زَوَائِدِ أحَادِيْثِ مُسْلِمٍ على البُخَارِيِّ لا تَتَجَاوَزُ ألْفًا ومَائَتَيْنِ حَدِيْثًا (1200) تَقْرِيبًا.
وعلى مَذْهَبِ الحَافِظِ أبي بَكْرٍ الجَوْزَقيِّ: فَإنَّ عِدَّتَها نَحْوُ سِتَّمائَةِ حَدِيْثٍ تَقْرِيبًا (600)، وهُوَ المَذْهَبُ المُخْتَارُ عِنْدَنَا.
ومَهْما يَكُنْ مِنْ تَفَاوُتٍ بَيْنَ العَدَدَيْنِ إلَّا أنَّها تَسْلِيَةٌ لكُلِّ طَالِبٍ يُرِيْدُ أنْ يَحْفَظَ أحَادِيْثَ الصَّحِيْحَيْنِ، ثُمَّ هُوَ بحِفْظِهِ بَعْدَئِذٍ «لصَحِيْحِ مُسْلِمٍ» سَوْفَ يَقِفُ ضَرُوْرَةً على أكْثَرِ أحَادِيْثِ «صَحِيْحِ البُخَارِيِّ».
وَبِهَذَا؛ يَسْتَطِيْعُ الحَافِظُ أنَّ يَقْطَعَ بِأنَّهُ في حَقِيْقَةِ الأمْرِ لَمْ يَحْفَظْ مِنْ «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ» إلَّا سُدْسَهُ تَقْرِيْبًا، وذَلِكَ بحَسَبِ اصْطِلاحِ جَمْهُوْرِ المُحَدِّثِيْنَ، أيْ: نَحْوَ ألْفٍ ومَائَتَيْنِ حَدِيْثًا.
أمَّا إذَا أخَذْنَا بمُصْطَلَحِ الحَافِظِ الجَوْزَقيِّ، فحَقِيْقَةُ الحِفْظِ: لا يتجاوز تُسْعَ «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ»، أيْ: نَحْوَ سِتِّمائَةِ حَدِيْثٍ، بِمَعْنَى أنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ إلَّا الأصُولَ غَيْرَ المُكَرَّرَةِ وغَيْرَ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ، ومَا جَاءَ بِطَرِيْقِ التَّكْرَارِ والاتِّفَاقِ فَهُوَ زِيَادَةٌ لَهُ في الحِفْظِ والتَّذْكِيْرِ لمَا مَضَى مِنَ الأحَادِيْثِ.
عِلمًا أنَّنَا قَدْ أخَذْنَا هُنَا بمَذْهَبِ الجَمْهُوْرِ مُوَاضَعَةً لمَا هُوَ جارٍ اليَوْمَ بَيْنَ طُلَّابِ العِلْمِ.
ثُمَّ أيْضًا تَأتي كُبْرَيَاتُ الحَقَائِقِ هُنَا: وهِيَ أنَّ الحَافِظَ في حَقِيْقَةِ الأمْرِ لَمْ يَحْفَظْ مِنَ أحَادِيْثِ «الصَّحِيْحَيْنِ» إلَّا رُبْعَهُما تَقْرِيْبًا، أيْ: نَحْوَ ثَلاثَةِ آلافٍ وثَمَانَ مَائَةِ حَدِيْثٍ (3800)، ومَا زَادَ عَلَيْهِمَا فَهُوَ مُعَادٌ مَا بَيْنَ مَكْرُوْرٍ ومُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، الأمْرُ الَّذِي سَيَزِيْدُ الحَافِظَ تَرْسِيْخًا لمَحْفُوْظَاتِهِ، وتَذْكِيْرًا لمُطَالَعَاتِهِ.
تَنْبِيْهٌ: اعْلَمْ أنَّ تَحْقِيْقَ عَدَدِ أحَادِيْثِ الصَّحِيْحَيْنِ سَوَاءٌ المُكَرَّرُ مِنْهَا أو دُوْنَهُ، هِيَ مَحَلُّ خِلافٍ بَيْنَ أهْلِ العِلْمِ؛ لِذَا فَإنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَدِ الأحَادِيْثِ فِيْهَما؛ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّقْرِيْبِ لا التَّحْدِيْدِ، والله تَعَالى هُوَ المُوَفِّقُ.
* * *
وتَقْرِيْبًا لمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا؛ يَتَّضِحُ بالحِسَابِ الآتي:
أحَادِيْثُ البُخَارِيِّ بالمُكَرَّرِ، نَحْوُ: (7397) حَدِيْثًا تَقْرِيْبًا.
وأحَادِيْثُ مُسْلِمٍ بالمُكَرَّرِ، نَحْوُ: (7563) حَدِيْثًا تَقْرِيْبًا.
ولهُمَا بالمُكَرَّرِ، نَحْوُ: (14960) حَدِيْثًا تَقْرِيْبًا.
¥