والله أنه من الغبن، أن يعرض نفسه الإنسان نفسه للفسوق، ولارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب –عند معظم السلف وكثير من الخلف– من أجل شعيرات يقصها للتجمل والتزين!
اللهم لا تؤاخذنا بجهلنا يا رب ..
والله لو لم يحصل لمن ترك لحيته على حالها .. إلا جمال اتباع السنة لكفى .. فما بالك إن تحصلت له بذلك منافع كثيرة؟! منها ما ذكره الإمام ابن القيم -رحمه الله- حين قال: "وأمَّا شَعر اللحية ففيه منافع، منها: الزينة والوقار والهيبة، ولهذا لا يرى على الصبيان والنساء من الهيبة والوقار ما يُرى على ذوي اللحى".
- أما لك فيه أسوة؟!
عامة السلف الذين أجازوا أخذ ما زاد عن القبضة، يتفقون في الجملة على أن الأفضل والأكمل، هو الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو عدم الأخذ منها مطلقاً، فأين التأسي به معاشر المسلمين؟!
أرجوك أرجوك أخي اقرأ هذا المقال الرائع:
http://islamtoday.net/nawafeth/artshow-42-126460.htm
وأتذكر الآن كلاماً نفيساً للشيخ عبدالكريم الخضير -حفظه الله- حين قال: "والتجربة أثبتت أن المقص إذا دخل اللحية أفناها شيئاً فشيئاً! ".
صدق والله الشيخ! كم من أناس بدؤوا بأخذ ما زاد عن القبضة، ثم شيئاً فشيئاً مع أخطاء الحلاق -الذي يخطئ باستمرار هداه الله- إلى أن وصل الحال إلى حلقها المحرم بالإجماع، كما نقله ابن حزم وابن تيمية.
- "فردوه إلى الله والرسول":
نتفق على أن مرجعنا الكتاب والسنة، لا أقوال الرجال وإن كثروا.
حسناً .. دع عنك كل الأقوال والخلافات السابقة .. وتأمل معي هذا المشهد:
- النبي صلى الله عليه وسلم يأمر في أكثر من موضع بلفظ مختلف (أعفوا، أوفوا، أرخوا، وفروا، أرجوا) اللحى.
- النبي صلى الله عليه وسلم يطبق ما يقوله، فلم يقترب المقص من لحيته بتاتاً، بل كانت لحيته (كثة) ترى من خلفه، كما قال خباب -رضي الله عنه- حين سئل: كيف تعرفون قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر؟ فقال: "باضطراب لحيته". والحديث في صحيح البخاري.
- أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي يبلغ عددهم مئات الآلاف، لم ينقل عن أحدهم أن المقص دخل لحيته إلا ما ابن عمر، وأسانيد غير ابن عمر لا يُجزم بصحتها.
- ابن عمر رضي الله عنه أخذ (ما زاد عن القبضة).
- ابن عمر رضي الله عنه أخذ ما زاد منها (في النسك فقط) تأولاً لقول الله تعالى "محلقين رؤوسكم ومقصرين".
والآن .. بعد هذا المشهد .. ألا ترى أن القول بتحريم أخذ ما زاد عن القبضة قول قوي من جهة الدليل وعمل الصحابة؟
لماذا لا يكون فعل ابن عمر اجتهاد منه، مثل اجتهاده بغسل عينيه في الوضوء، وغيرها من المسائل التي لم يُوافق عليها. أليس بشراً يصيب ويخطئ؟!
فما بالك إذن بما هو دون القبضة؟!
ختاما ..
اقرأ (بتأمل) هذا الكلام للعلامة فقيه العصر ابن عثيمين -رحمه الله- فإنه والله كلام مقنع، ومؤثر في نفس الوقت!
يقول السائل في أحد لقاءات الباب المفتوح:
كيف نرد على من استدل بفعل ابن عمر وأبي هريرة على الأخذ من اللحية مما زاد عن القبضة؟
الشيخ: أخذها ابن عمر متى؟
السائل: فيما ثبت عن ابن عمر أنه كان يأخذ من لحيته.
الشيخ: متى؟
السائل: في الحج.
الشيخ: الذين استدلوا بفعل ابن عمر مع الأسف توسعوا وقالوا: خذوا في الحج وغيره، والاستدلال يجب أن يكون مطابقاً للدليل.
السائل: وكيف بقية الصحابة؟
الشيخ: من بقيتهم؟
السائل: أبو هريرة.
الشيخ: تثبت هذا عنه؟
السائل: ورد في مصنف ابن أبي شيبة.
الشيخ: ومصنف ابن أبي شيبة ما أكثر الضعيف فيه. ولنتنزل معك إلى أبعد الحدود، نقول: صح عن ابن عمر أنه يأخذ من لحيته في الحج وغير الحج، وعن أبي هريرة وعن فلان وفلان من الصحابة. فعندنا قول إمامهم وهو الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أعفوا اللحى) وهل قال: ولكم أن تأخذوا ما زاد على القبضة؟
السائل: لا.
الشيخ: بماذا تحاجج ربك يوم القيامة؟ والله يقول: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) بماذا تقول؟ تقول: والله أنا سمعت من ابن عمر أو غيره من الصحابة فعل هذا، ما تستطيع.
فمثل هذه المسائل إذا جاء فيها نص فلا تسأل، ابن عباس رضي الله عنه قال: [توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر] وأين ابن عمر من عمر وأين أبو هريرة من أبي بكر، ومع ذلك أنكر ابن عباس على من يعارض قول الله وقول رسوله بقول هذين الإمامين اللذين قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيهما: (اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر) وقال: (إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا).
خذ هذه قاعدة عندك: لا تعارض قول الرسول بقول أحد ولا بفعل أحد، لكن اعتذر عن ابن عمر و أبي هريرة في مخالفتهما ظاهر النص، اعتذر عنهما بأن هذا اجتهاد، فيعذران فيه كما عذر عثمان رضي الله عنه في إتمام الصلاة في منى، وهذه دعها قاعدة عندك: أي إنسان يخالف القرآن أو السنة فاعتذر عنه ولا تحتج بقوله ولا بفعله. انتهى كلام الشيخ -رحمه الله-.
تذكر أخي المبارك: قد يكون (ذنب واحد) أصريت عليه: هو الذي يحول بينك وبين فتوحات ربانية، وتوفيق إلهي، يجعل حياتك تنحى إلى منحى آخر!
أسأل الله أن ينفع بهذا المقال، وهو جهد المقل، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان ..
ويعلم الله أن دافعي هو النصح للأحبة والأصحاب الذين تساهلوا في هذا الأمر، فأرجو أن تتسع صدورهم لما كتبت ..
وفق الله الجميع ..
¥