هذا الإيذاء إذا كان مجرد أن اللسان يلفظ الكلمات هذراً، فكيف به إذا حُسِّنت كلماته ودٌبّجت بفنون البلاغة، وأضيفت إليه الزوائد والعجائب .. عندها يستشري الألم.
وقد قيل:
ملأنا الجو بالجدل اصطخاباً ... وكنا قبل نملؤه هتافاً
ومازلنا نهيم بكل وادٍ ... من الأقوال نرسلها جزافاً
(الرصافي)
الرسالة السابعة:
إنه لُبُّ المشاكل!!
فساد الإخلاص .. يقول الإمام ابن الجوزي –رحمه الله-في صيد خاطره: "فمن أصلح سريرته: فاح عبير فضله وعبقت القلوب بنشر طيبه؛ فالله الله في السرائر فإنه ماينفع مع فساده صلاح ظاهر".
إنه الخلل في ركن الإخلاص .. سبب مشاكل العمل و كل الأعمال "فانظر ماذا خالط قلبك".
كان عمرو بن قيس يرى رؤوس التواضع في ثلاثة: "ألاّ تحب: الرياء، والسمعة، والمدحة في عمل لله".
وكانت وصية يحيى بن أبي كثير –رحمه الله-: "أن تعلموا النية؛ فإنها أبلغ من القول والعمل".
فلا تستغرب حين ينسى المربي والداعية ذلك الركن العظيم في ميدان العمل، فخذ برأس الأمر فإن الإخلاص يَلزَمك عند ابتداء الأمر وفي وسطه وفي نهايته، وقد قال التابعي الجليل ابن أبي لبابة –رحمه الله-: "أقرب الناس إلى الرياء: آمنهم له" وتذكر: [إلا عبادك منهم المخلصين].
فكن شديد التفكر والتفقد والمراقبة لذاتك، وإلا التحقت بأتباع الشياطين وأنت لاتشعر!!
فتأمل .. واحذر .. فقد تغري الداعية نفسه وقد يصل داء الحسد عنه إلى أعلى المراتب فيأخذ بالوشاية على أخيه الداعية المربي عند الكبار .. ولا غير الحسد وأمراض القلوب.
ويطرب قلبه فرحاً حين يرى أخاً له يقع في خطأ، وماهي إلا ثواني وتكون تلك الخطيئة قد انتشرت بين إخوانه كلهم مع زيادة في التهميش والتذييل، هذه القلوب السقيمة، ولكن الله يمهل ولا يهمل سبحانه.
أفشى عليّ مقالةً ماقلتها ** وسعى بأمرٍ كان غير سديد
والواجب علينا حين نسمع لتلك الوشاية من ذلك القلب السقيم الأسود، أن نقول له: حسبك بأخينا مآثره وخيره، ونسرد له ماضيه المشرق وكل خير سابق له، ونسد الباب أمامه حتى يصغر ولا عادَ يُرى، فإن أمررنا مقولته فسرعان ما ينهدم البناء بسبب اختلال صفوفنا التي هي أركانه.
وليس ملامي على من وشى ** ولكنّ ملامي على من وعى
أيجمُل بالعهد أن يستباح ** لواشٍ .. وللودّ أن يقطعا؟!!
(البارودي)
فليس الملام على الواشي، ولكن الملام كله على من منح الآذان الصاغية وأسلمها له.
وليست المنزلة والرفعة في أن تحقق نصراً لنفسك في ميدان الدعوة، وتنتشي رائحة النصر أمام إخوان لك سبق وأن شاركوك همّ هذا الطريق، ولكن المنزلة والرفعة في أن تحتل حيزاً في قلوب المؤمنين، وأن تنادي ملائكة السماء أهل الأرض أن الله تعالى أحب فلاناً فأحبوه.
نعم والله .. ماتحلو الحياة إلا بذلك الحب، عندما نجتمع في صفٍ واحد ولايحمل أحد على أخيه كدر أو يخالط قلوبهم حسد.
لانريد ابتسامة مصطنعة ولامواساة هامشية، لما يقابل أخاً له ويحمل عليه الشيء الكثير والقليل في حقه، فإن كانت نفسه فيها شيء من إيمان تحثه على أن يحملها ويغلق عليها أبواب قلبه ويدفنها بعد أن يحثوا عليها سبع حثيات ويختمها بقوله: "بسم الله وعلى ملة رسول الله"، ويكتفي عندما يقابله بابتسامه مصطنعة، ومواساة هامشية، سرعان ماتضمر عندما يولي هارباً منه.
وهذا أقل خطراً ممن يسعى بالنميمة عليه بين إخوانه بعد أن امتلئ قلبه الأجرد ببغض أخٍ له لا لشيء إنما لهوى في نفسه أو حسد أو غيرة.
نحتاج إلى نية خالصة، وعزم صادق على تحمّل مرارة المكاشفة الصريحة فهي الحل لمشاكل القلوب بين الإخوة والعاملين، نحتاج أن يكون شعارنا "المكاشفة بيننا .. قبل أن تنتقل لغيرنا" قبل أن يعكر صفو القلوب كلام اللسان وتداوله بين الإخوان، ولا يغلق هذا الباب إلا توجيه المصطفى –عليه الصلاة والسلام-"المؤمن مرآة أخيه".
الرسالة الثامنة:
مشاريع الضرار في الحقول الدعوية!!
المنفرد لايستطيع أن يبني وحده نادياً أو مجمعاً أو دار ضرار، مهما وصل في زعامته ورئاسته، ولكنه بشياطين الإنس والجن يستطيع، ولذلك يكون محشر الأتباع مع الذي علمهم الظلم.
¥