تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهي نصوص دالة على التحريم إما بالمطابقة، أو بالتضمن، أو باللزوم. فقد احتوت على أنواع الدلالات الثلاثة كلها.

فنصوص المباعدة والفصل بين الجنسين، دالة على تحريم الاختلاط بالمطابقة؛ أي طريق مباشرة، فهي نص في المسألة، فلم يكن منه صلى الله عليه وسلم سعي ولا حرص على خلط الرجال والنساء في مجلس واحد، فلم يكن في مجلسه إلا الرجال، إلا استثناءً وعرضا، كأن تأتي سائلة، أو شاكية، أو مستفتية، أو واهبة نفسها للنبي، لم يكن في مجلسه للشورى والعلم والتخطيط والمدارسة عائشة، ولا حفصة، ولا أم سليم، ولا صفية بنت عبد المطلب عمته، بل ولا ابنته فاطمة. وقد كنّ خيرة النساء مبشرات بالجنة. وهكذا مجالس أصحابه الخلفاء الراشدون من بعده خالية من العنصر النسائي.

ولم يعرف عنه صلى الله عليه وسلم، دعوته تجار الصحابة توظيف بنات الصحابة الفقراء في تجارتهم لسد عوزهن، ولا إرسالهن إلى الآفاق وحدهن للدعوة أو التعليم أو العلم، بل لما خرجت امرأة إلى الحج وحدها، أمر زوجها - وكان قد اكتتب في غزوة - أن يدع الغزوة ويلحق بها.

ونصوص الحجاب تضمنت تحريم الاختلاط .. فإن الحجاب معناه الحجز والفصل والمنع، وفي الاختلاط ينتفي هذا المعنى، وإنما سمح بالاختلاط العفوي – بالرغم من أنه تقارب ينافي معنى الحجاب- للضرورة والحاجة ورفع الحرج عن الأمة، فهو استثناء وليس بأصل، فإذا لم يكن ثمة ضرورة .. فالتباعد والتجافي.

كذلك نصوص القرار، فقد تضمنت التحريم، فقد أمرت المرأة بالقرار للتباعد عن الرجال ..

وأما نصوص غض البصر، فهي دائرة بين التضمن واللزوم:

فيمكن القول: إنها تضمنت منع الاختلاط؛ لاستحالة غض البصر في الاختلاط.

ويمكن القول: إنه يلزم عنها عدم الاختلاط؛ لتعذر ومشقة غض البصر حينئذ.

وكلا الحالين يمثلها فئة من الناس، فمن الناس من يستحيل في حقه غض البصر؛ لولعه بالنساء، وهؤلاء كثيرون موجودون متعطشون. ومن الناس من يشق عليه جدا، فهذا في معاناة لا يعلم بها إلا الله تعالى. فلذلك للدلالتين في هذا النوع نصيب.

فأما نصوص الفتنة والاتقاء، فقد دلت على التحريم من طريق اللزوم، فيلزم لمن أراد أن يتقي فتنة النساء، التباعد عنهن وعدم التقارب إلا بقدر الضرورة والحاجة، وما كان بغير قصد.

كل هذه الأنواع من الأدلة تجاوزها المبيحون، ولم يقدروها حق قدرها وجلالتها وهيبتها، فإنه من العسير جدا ردها، أو إبطال دلالتها الظاهرة، وهي كافية في تأسيس الحكم، فلو أتى ما يشكل عليها، فالواجب طرحها أو تأويلها، كما تطرح النصوص التي أشكلت على عدالة الصحابة أو تُأَوّل.

هذه النصوص هي التي بني عليها حكم التحريم، فإنها صحيحة ثابتة، صريحة محكمة، وبمثلها تقوم الأحكام:

فهي آيات قرآنية، وأحاديث نبوية ثابتة، والطعن في صحة بعض منها لا يضر؛ فليست حديثا واحدا ولا حديثين، ليظن مبيح الاختلاط: أن بتضعيف بعضها يسقط تحريم الاختلاط.

كلا، بل أحاديث كثيرة منوعة، مروية في السنن والصحاح وفي البخاري ومسلم؛ أهم مصدرين للسنة تلقتهما الأمة بالقبول، إذا لم يقم بالحكم حديث قام به غيره، وأسندته أحاديث كثيرة ثابتة.

ثم إن تلك النصوص صريحة محكمة؛ لا تحتمل إلا معنى واحدا.

وإن أول سؤال يرد هنا بعد هذا التأسيس لتحريم الاختلاط، بمثل هذه النصوص الوفيرة المنوعة:

ما جواب المبيحين عنها، وما موقفهم منها، هل قبلوها، أم أعرضوا عنها، أم حرفوا معانيها؟.

الجواب: لما كانت من الوضوح بمكان، عمد مبيح الاختلاط إلى تأويلها، وصرف معانيها إلى ما يتوافق والاختلاط، أو الإعراض عنها!!؛ لأنه عسير الجمع بينهما.

- ادعوا أن حكم القرار خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أتوا في هذا بالعجب، وأفصحوا عن قلة فقه وبصيرة بمعاني الأوامر الإلهية، فإن عمدتهم في هذا: أن الخطاب توجه إلى الأزواج.

ويرد على مذهبهم هذا من وجوه:

الأول: أنه يلزم عن قولهم هذا، أن كل خطاب توجه إلى أحد بعينه، فحكمه خاص به، وحينئذ فالشريعة كلها خاصة بالصحابة؛ لأن الأمر الإلهي نزل يخاطبهم حين نزل، فمن بعدهم لم يأت بعد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير