تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالتستر في الاختلاط تكليف بما لا يطاق، والله إذا حرم شيئا حرم وسائله؛ حرم الخمر فحرم بيعه وشراءه. وحرم الربا فحرم كتابته والشهادة عليه، كذلك حرم على المرأة إبداء زينتها، وحرم كل وسيلة وذريعة محققة إلى ذلك، كالاختلاط الطويل.

فتحقيق الحكمة من الحجاب (= ستر البشرة وتقاسيم البدن) في اختلاط منظم متعذر غاية التعذر، وما كان الشارع ليأمرها بالاستتار، ثم يبيح لها الاختلاط، إن هذا عين التناقض، ولا تناقض في الشريعة. قال تعالى: "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا".

وأما نصوص غض البصر.

فقوله تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن .. ".

غض البصر من الرجال عن محاسن المرأة؛ سواء البشرة إذا انكشفت، أو تقاسيم البدن إذا بدت من وراء الحجاب: مأمور به.

وسواء قيل بوجوب تغطية الوجه والكفين أم لا، فإن غض البصر واجب عن سائر البدن.

والشاهد من هذا الدليل: أن الغض متعذر بل ممتنع في الاختلاط المنظم؛ لطول المكث في مجلس واحد، فصرف البصر من كليهما غير ممكن، وتحوط المرأة في حجابها شاق؛ إذ طول المقام يلجئها إلى تغيير أوضاعها، مما سيبدي حتما ما يجب ستره.

فما كان الشارع ليأمر بغض البصر من كليهما، ثم يبيح اختلاطهما على هذه الصورة، فإن في الإباحة تحريضا وتيسيرا للنظر، وإتباعه بنظرة أخرى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "يا علي!، لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة". رواه الترمذي، وصححه الألباني.

فالمختلط إذا قدر على الغض في الأولى، فهل سيصمد في الثانية، أو الثالثة إلى المائة، وهي كذلك، هما كل يوم في لقاءات مستمرة لساعات طويلة، قد تبلغ الثمان والعشر؟.

وعن نصوص التحذير من فتنة النساء. قال صلى الله عليه وسلم:

- (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء). رواه البخاري.

- (واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء). رواه مسلم.

وصف المرأة بأنها فتنة؛ بمعنى أنها إغراء للرجل، تقوده إلى مواقعتها، بقصد منها أو حتى بدون قصد؛ إذ هي بذاتها مصدر إغراء له، حتى لو لم ترد إغراءه، وبهذا صار للنسل امتداد وبقاء، فإغراؤها ليس عيبا ولا نقصا، بل مطلب في المباح لتحقيق مصالح للرجل والمرأة من التمتع والرحمة والمودة والذرية.

وأمر باتقائها، والمعنى: اجتناب فتنتها وإغرائها، ليس المنهي مواقعتها بالفاحشة فحسب، بل باجتناب المقدمات أيضا، من: نظر، وكلام لين، وسماع بتلذذ، ولمس باليد إلى غير ذلك. فقد نهى عن كل هذه المقدمات، وأبلغ حين قال: (العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا). رواه مسلم.

فوصف مقدمات الزنا بأنها من الزنا، باعتبار أن مآلها إلى ذلك، أو المعنى كل عضو زناه بحسبه، فالعين لا تقدر على أكثر من النظر، والأذن لا تقدر على أكثر من السمع، وهكذا اللسان واليد والرجل، فكان كل تلذذ بالمرأة ليست حليلة هو كذلك.

وفي الاختلاط من ذا الذي يسلم من زنا العين، والأذن، لو سلم من اللسان واليد والرجل. فإن سلم فكم هو عدد السالمين مقابل المفتونين. ولم كل هذا العناء في فتح الأبواب على الفتنة، ولا مصلحة مرجوة من الاختلاط، وكل هدف وغاية يمكن الوصول إليها من غيره؟.

أَمْرُ النبي صلى الله عليه وسلم باتقاء النساء، ووصفه بأنهن فتنة، حكم ضمني بتحريم الاختلاط بهن؛ إذ الاتقاء فيه غير متحقق، والفتنة حاصلة، والحقائق يتعذر تكذيبها إلا من مغالط أو مطبق في جهالة.

وعن نصوص المباعدة بين الجنسين، وهي كثيرة، تنص وتتضمن منع الاختلاط المنظم وهي على قسمين:

- الأول: نصوص قولية، تتضمن الأمر بالمباعدة بينهما.

- الثاني: نصوص عملية، تتضمن تطبيق الفصل والمباعدة عمليا.

ففي الصلاة باعد بينهما، فجعل صفوفهن في المؤخرة، وقال مؤكدا وقاصدا ومرغبا في المباعدة بينهما فقال صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها). رواه مسلم.

فماذا يفهم من هذا القول، وهذا التطبيق العملي؟، هل يفهم منهما تسويغ الخلط بالقصد والعمد؟!.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير