فمن حدث بجميع ما سمع من الأخبار المروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يميز صحيحها وسقيمها، وحقها من باطلها؛ باء بالإثم، وخيف عليه أن يدخل في جملة الكاذبين على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بحكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه منهم في قوله: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَديثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبينَ» فظاهر هذا الخبر دال على أن كل من روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثاً وهو شاك فيه أصحيح أو غير صحيح يكون كأحد الكاذبين لأنه -صلى الله عليه وسلم- قال:" مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَديثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ .. » ولم يقل: يستيقن أنه كذب". اهـ
? قال الحافظ زين الدين العراقي في كتابه المسمى "الباعث على الخلاص من حوادث القصاص":
"وإن اتفق -أي القاص الذين لا علم له في الحديث- أنه نقل حديثاً صحيحاً كان آثماً في ذلك لأنه ينقل ما لا علم له به، وإن صادف الواقع كان آثماً بإقدامه على ما لا يعلم". ا. هـ
? وقال الإمام النووي في شرح مسلم (1/ 70)
"أنه لا فرق في تحريم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم بين ما كان في الأحكام وما لا حكم فيه كالترغيب والترهيب والمواعظ وغير ذلك فكله حرام من أكبر الكبائر، وأقبح القبائح بإجماع المسلمين الذين يعتد بهم في الإجماع".
? وقال العلامة أحمد شاكر في "الباعث الحثيت" ص 101:
"وأما ما قاله أحمد بن حنيل، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن المبارك: "إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا"، فإنما يريدون به - فيما أرجح، والله أعلم - أن التساهل إنما هو في الأخذ بالحديث الحسن الذي لم يصل إلى درجة الصحة، فإن الإصطلاح في التفرقة بين الصحيح والحسن، لم يكن في عصرهم مستقراً واضحاً، بل كان أكثر المتقدمين لا يصف الحديث إلا بالصحة أو بالضعف فقط".
? وعقب الألباني فقال: "وعندي وجه آخر في ذلك: وهو أن يحمل تساهلهم المذكور على روايتهم إياها مقرونة بأسانيدها – كما هي عادتهم – هذه الأسانيد التي بها يمكن معرفة ضعف أحاديثها، فيكون ذكر السند مغنياً عن التصريح بالضعف، وأما أن يرووها بدون أسانيدها، كما هي طريقة الخلف، ودون بيان ضعفها، كما هو صنيع جمهورهم، فهم أجلّ وأتقى لله عز وجل من أن يفعلوا ذلك، والله أعلم". اهـ من "صحيح الجامع" ص 52
? وقال الحافظ السخاوي في القول البديع ص 195:
سمعت شيخنا مراراً يقول: (يعني الحافظ ابن حجر العسقلاني) – وكتبه لي بخطه - إن شرائط العمل بالضعيف ثلاثة:
الأول: متفق عليه، أن يكون الضعف غير شديد فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب ومن فحش غلطه.
الثاني: أن يكون مندرجاً تحت أصل عام، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل أصلاً.
الثالث: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته لئلا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله. قال: الأخيران عن ابن عبد السلام وعن صاحبه ابن دقيق العيد والأول نقل العلائي الاتفاق عليه ا. هـ
وهذه الشروط تدل على وجوب معرفة حال الحديث وأن له أصل صحيح وهو مما يصعب الوقوف عليه من جماهير الناس.
? قال الألباني: "قال الحافظ ابن رجب في شرح الترمذي ق112/ 2
"وظاهر ما ذكره مسلم في مقدمة كتابه (يعني "الصحيح") يقتضي أنه لا تروى أحاديث الترغيب والترهيب إلا عمن تروى عنه الأحكام"
قلت: -أي الألباني- وهذا الذي أدين الله به، وأدعو الناس إليه، أن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقا لا في الفضائل والمستحبات ولا غيرهما.
ذلك لأن الحديث الضعيف، إنما يفيد الظن المرجوح بلا خلاف أعرفه بين العلماء، وإذا كان كذلك فكيف يقال بجواز العمل به، والله عز وجل قد ذمه في غير ما آية من كتابه فقال تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} وقال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» أخرجه البخاري ومسلم".اهـ من "صحيح الجامع" ص 50
¥