[أين السعادة؟ - د. عمر سليمان الأشقر]
ـ[حاتم الحاجري]ــــــــ[29 - 09 - 10, 06:02 ص]ـ
1. باحث عن السعادة:
قلتُ لصاحبي – وقد آسفني ما يرتسم على قسمات وجهه من ظلال الكآبة والحزن توحي بما يعانيه في دخلية نفسه من شقوة – قلت له: عجيب أمرك! إن الحزن يكاد يعصف بك، ويبلي شبابك الناضر، مع أنك أُعْطِيت من الدنيا زهرتها: المال الكثير، والبيوت الملأى بحاجات الإنسان، والمراكب الفارهة من أحدث طراز، والأولاد يمرحون بين يديك، فما الذي يجلب لك الهم والنكد وهذه حالك؟!
فنظر إلَيَّ نظرة مهموم حائر فاقد لشيء ليس يدريه، وقال: لست أدري، إن في النفس لفراغاً، وفيها جوعة أحس بها، ولا أعرف حقيقتها. إن ما بين يدي من مال وما عندي مما يصبو إليه الكثير لا يفيء علَيَّ ظِلال السعادة، بل قد أتمنى أن أكون فقيراً كأولئك الذين أرى السعادة ترتسم على وُجوههم رغم قِلة ما يملكون مِن زينة الدنيا.
2. أمنية الإنسان:
وألقيتُ النظر بعيداً، وسابَق الخيال النظر فسبقه، وحّلَّق في حياة الناس يستشف الغاية التي يريدون مِن وراء سعيهم في الحياة، فإذا بهم يطلبون ما يطلب صاحبي على اختلاف أشكالهم وألوانهم وسعيهم. إن ما يطلبون هو: هناء الروح، وطمأنينة القلب، ونعيم الخاطر، وسعادة النفس في عالمهم المشهود.
3. طريقان وصِنفان:
قد يرى بعضُهم أنهم يَصِلون إلى تحقيق أمانيهم بالوصول إلى مُتَع الدنيا وزينتها، ولكنهم يدركون بعد حين، كما أدرك صاحبي أن ما حَصَّلوه لم يُحقق لهم السعادة المرجوة، وقد يظن بعضهم أنهم سعداء بما لديهم، ولكنهم كالمريض الذي يتغلغل المرض في أحشائه، وهو يظن نفسه يتمتع بالصحة والعافية.
وعندما يُدرِك الناس ما أدرك صاحبي يحاول بعضهم أن ينغمس في دنياه أكثر وأكثر عَلَّهُ يَرْوي نفسه الظمأى على طريقة القائل: "وداوني بالتي كانت هي الداء"، وقد يهرب بعضهم من دنياهم ويهجرونها، ويبحثون عن السعادة في قمم الجبال بعيداً عن الحياة، يُعذِبون أجسادهم، ويحرمونها من مُتَع الدنيا، وهؤلاء وهؤلاء يحملون السُلُّم من أحد طرفيه، ويعيشون في دنيا الإنسان ويخرجون منها وقد شقوا بدنياهم.
4. أدعياء:
وإلى كِلا الفكرتين المتضادتين يقوم دُعاة يُغلَّفون أفكارهم بمعسول القول، وينقسم المُنادون إلى كل من السبيلين على أنفسهم، فإذا هُم مذاهب شتى، وتطغى الدعوات المادية على غيرها، ويَدَّعِي كل داعية أنه يملك إكسير السعادة، وأنه يهدي البشرية الحائرة إلى شاطيء الأمن والسلام، ويقيها لواعج الأحزان ومرارة الآلام.
5. الإنسان لا يصنع السعادة:
ولكن التجارب المتكررة قديماً وحديثاً في الشرق والغرب تُثبت أن سبيل السعادة الحقَّة لا يصنعه بنو الإنسان لأنفسهم لأنهم غير مؤهلين لصنعه.
6. عِلَّة ذلك:
ذلك أن السبيل الصحيح أن يتصدى للمنهج الذي يُسعِد الإنسان مَن يكون على معرفة كاملة بأسرار النفس البشرية، والعلاقة الحقة التي تقوم بين الإنسان وهذا الكون الذي يعيش فيه، لأن الحُكم على الشيء فرع تصوره، والإنسان في كِلا الأمرين – رغم تقدمه – يقع على أبواب مجاهيل، ولذلك كانت أحكامه ومناهجه التي يضعها على اختلافها وتَبَايُنْها تسير في خَط مُتعرِّج، وهي مناهج تحتاج دائماً إلى تطوير وتحوير وتغيير، لذلك كان لزاماً أن يتوفر فيمن يهدي الإنسان إلى ما يُسعِده أن يكون عليماً بأسرار النفس البشرية، عليماً بعلاقته بالكون وما وراء الكون، لا تخفى عليه خافية، ليأتي المنهج مُتكاملاً شاملاً، ونحن لا نجد هذه الصفات في بني البشر، ولا في أحد من الخليقة.
والمُتَّصِف بذلك هو خالق البشر الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، الذي يعلم الإنسان جهره وسره، وهو أعلم به من نفسه، ذلك أنه هو الذي أنشأ هذه النفس من تراب، ونفخ فيها الروح، فكانت بشراً سوياً، وجعل نسلها من سلالة من ماء مهين، وخلقها في أحسن تقويم، فَمِن الواحد الأحد الخالق الباريء السميع العليم نستمد السبيل السليم، والنور الكاشف، والسُبُل مِن غيره لا تخلو من عوار، وهي تؤدي بصاحبها إلى هاوية سحيقة الغور ليس لها قرار.
7. بداية الطريق:
¥