• ففي الآية جاءت الصيغة في الخطاب بصيغة الأمر " فَانْكِحُوا " ومعلوم أن الأمر محمول على الوجوب فإن صرفه صارف أحاله للسُنّية وقليلا ما ينقله الصارف إلى الإباحة.
• وفيها قال الله تعالى " ما طاب لكم " ومعلومٌ قطعا أن أي رجلٍ في العالم يطيب له تعداد النساء إلا من في تركيبه نقص وهذا في حكم النادر (والنادر لا حكم له) , وفي هذا يقول الله تبارك وتقدس: " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ... " الآية.
• وكذلك ابتدأ الله عز وجل بعد الأمر بذكر المثنى ولم يبدأ بالواحدة وهذه قرينة على أن الأصل التعدد إذ لو كان الأصل الإفراد لبدأ بالواحدة ثم ذكر بقية المباح.
• اختص الحق جل جلاله من عموم الحكم من له حالة خاصة وهي الخوف من عدم العدل , فمن كان حاله كذلك فله أن يقتصر على الواحدة , ومعلوم أن من له حكم خاص أو خصيصة لا يكون حكمه كحكم العموم.
وما تقدم من أقوى القرائن على أن الأصل في النكاح التعدد.
2 - ويقول الحق تبارك وتعالى: " وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ... " الآية.
في هذه الآية الكريمة جعل الله عز وجل صيغة الخِطَاب للرجال بالتبعيض " منكم " , وفي المقابل جعل صيغة الخطاب للنساء بالجمع " المحصنات المؤمنات " , وفي هذا دليل على أن الأصل في النكاح التعدد.
3 - وقال سبحانه وتعالى: " وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ... " الآية.
فالآية هنا عامة لجميع الناس ومع ذلك سمّى الله تعالى الزوج هنا " بعل " ولم يسمه " زوج " , والبعل أعم من الزوج فقد لا يكون " زوجا " بالمعنى اللغوي (أي اثنين) , ويكون بعلا لها ولغيرها فالبعل يكون عاما لها ولغيرها لكن الزوج لا يكون إلا لها وحدها , وفي ذلك شواهد من القرآن , قالت امرأة إبراهيم عليه السلام (سارّة) حينما بُشّرت بالابن " ... يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ " , ومعلوم أنها في وقت البشارة كان إبراهيم عليه السلام متزوج من هاجر ومعه منها إسماعيل , فلم تقل " زوجي " , بخلاف حواء عليها السلام فإنها كانت زوجة آدم الوحيدة لذا قال جل جلاله: " وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ... " الآية
وأيضا جاءت هذه الإشارة في أمر خولة بنت ثعلبة عندما ظاهرها زوجها أوس بن الصامت – رضي الله عنهما – ولم يكن متزوجا من غيرها فقال جل ذكره: " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا. . ." الآية.
لذا يُستنبط من الآية أن الأصل في النكاح التعدد إذ لو كان الأصل الإفراد لجاء الخطاب بصيغة الزوجية لا البعولة , لكن الخطاب أتى بصيغة البعولة ليثبت الأصل وهو التعدد في النكاح.
4 - وقال تقدس وتعالى بعد أن ساق المحرمات من النساء في النكاح: " ... وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ .... " الآية.
وفي هذه الآية إشارة إلى أن التعدد هو الأصل في النكاح لأن ما وراء ما حرّمه ربنا تبارك وتعالى لا يكون مفردا بل لا يكون إلا جمعا.
5 - وقال جل ذكره وتقدس أسمه: " وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ... " الآية.
في الآية إشارة على أن الأصل في النكاح التعدد لجعله تعالى الأزواج وهو جمع في مقابل التبعيض " منكم " , ومعلوم أن لفظ الوفاة لا يكون عاما فالذي يُتوفى غالبا يكون واحدا , بخلاف القتل مثلا فهي غالبا لا تكون إلا في الحرب فيكون إنقضاء الأجل لمجموعة منهم , ومع ذلك قال الحق تبارك وتعالى " وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ " , مع أن الوفاة لواحد (في الغالب) جاء في المقابل الجمع (أزواجا).
¥