ومما يؤيد هذا الإستنباط ما جاء في البخاري عن سعيد بن جبير – رحمه الله – قال: قال لي ابن عباس – رضي الله عنهما: " هل تزوجت؟ قلت: لا , قال: فتزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء " البخاري 5/ 1951.
قال ابن بطال – رحمه الله – في شرحه لهذا الأثر: " قال المهلب: لم يرد ابن عباس أنه من كثر نساؤه من المسلمين أنه خيرهم، وإنما قاله على معنى الحض والندب إلى النكاح، وترك الرهبانية في الإسلام، وأن النبي، عليه (الصلاة و) السلام، الذي يجب علينا الاقتداء به واتباع سنته كان أكثر أمته نساء ".
شرح البخاري 7/ 164.
ومما تقدم نخلُص في هذه المسألة بأن الأصل في النكاح التعدد وأنه سنة ماضية إلى قيام الساعة , فعلها صلى الله عليه وسلم وفعلها غالب صحابته – رضي الله عنهم – وعامة علماء الإسلام – رحمهم الله تعالى – على ذلك , ومن تبعهم في ذلك فهو مأجور بإذن الله مثاب يوم الدين.
لفتة:
ذكر الله عز وجل بعد أحكام النكاح في سورة النساء من قوله تعالى: " وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا ..... " وبعدها قوله " وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ..... " وبعدها قوله " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ ..... " وبعدها قوله " وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ..... "
جاء مباشرة بعد هذه الآيات قوله تعالى ذكره وتقدس أسمه " وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا "!!!
فالله تبارك وتعالى خلق الرجل بتركيبته وغريزته قادر على تعدد الزوجات وهو من أصل خِلقَته , ولكن الذين يتبعون الشهوات لا يريدون له ذلك , وهم يعلمون أنه مجبول عليه , وإنما أرادوا له ذلك بالحرام , لذا تجد بعض هؤلاء عنده زوجة واحدة وعشر خليلات وهذا والله من الميل العظيم.
جنبنا الله وجميع المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن , وعصمنا مما يُغضبه ويُسخطه , وجعلنا ممن يلزم غرز نبيه صلى الله عليه وسلم.
أخوكم / موسى الغنامي.
ـ[موسى الغنامي]ــــــــ[04 - 10 - 10, 11:32 م]ـ
ملحق
إن أسباب قلة تطبيق هذه السُنة , في نظري ترجع لأمرين:
1 - من جهة الزوج.
2 - من جهة الزوجة.
فالتي من جهة الزوج أهمها:
• عدم المقدرة المالية:
وهذا مانع شرعي لقوله صلى الله عليه وسلم " من أستطاع منكم الباءة فليتزوج " , لكن ما ضابط عدم المقدرة؟
كثير من الأخوة يرى أنه إذا لم يملك بيتا خاصا يتسع لزوجاته فهذا من عدم المقدرة!!!
وهذا من الجهل.
وفي المقابل يُقدِمُ بعضهم على تطبيق هذه السُنّة وهو مَدِينٌ بعدد شعر رأسه!!!
وهذا من إنعدام الحكمة.
والأمر وسط , فمن قدر على النفقة على الزوجات ولو بترك بعض الكماليات أو حتى كلها لأجل المصلحة الأكبر المتمثلة في التعدد سُن له التعديد ومن لم يقدر لم يُسن له ذلك.
• الخوف من عدم العدل:
وهذا أيضا مانع شرعي مُعتبر لقوله تعالى: " ... فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ... " لكن ما هو مفهوم العدل هنا؟
لأن بعض الأخوة يظن أن العدل لابد أن يكون في كل شيء حتى في المحبة أو الوطء أو دواعيهما!!!
وهذا خطأ بيّن.
وفي المقابل تجد بعضهم يَحْسب أنه ما دام قد كفاها المال فإنه عادل وإن جفاها أو مال لضرتها أو هجرها في الفراش!!!
وهذا ظلمٌ بيّن.
والأمر وسط , فيقسم بينهن فيما يقدر عليه مما في يده , ويقسم لهن في الأيام والمبيت برضاهن , ويبسط وجهه , ويُجمّل أخلاقه , ويُلين كلامه , ويغض طرفه عن بعض الأمور لجميعهن , فهذا هو العدل , وقد مرّ بنا لمحة من ذلك في ثنايا البحث.
• عدم رضى الزوجة:
وهذا ليس بمانع لا شرعا ولا عقلا , فشرعا لم يأتي أنه يستأذن زوجته ليتم زواجه من غيرها , وعقلا فتركيبة المرأة وجِبِلتها يرفض هذا الأمر إلا بعض من منّ الله عليها باليقين التام والقبول المطلق لأحكام الشرعية , أما الغالب فلا.
والمُريد للتعديد ثم يمنعه هذا العذر فعنده شيء من النقص في قوامته , إذ أن الأمر بيده وهو مريدٌ له , ثم يتّبع مرضات زوجته التي جُبلت على كراهية ذلك!!!
¥