5 - قولهم: إن إقامة المولد من قبيل البدعة الحسنة لأنه ينبئ عن الشكر لله على وجود النبي الكريم!
ويجاب عن ذلك بأن يقال: ليس في البدع شيء حسن، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أخرجه البخاري 3/ 167 رقم 2697، الفتح 5/ 355، وقال صلى الله عليه وسلم: (فإن كل بدعة ضلالة) أخرجه أحمد 4/ 126، والترمذي رقم 2676، فحكم على البدع كلها بأنها ضلالة، وهذا يقول: ليس كل بدعة ضلالة، بل هناك بدعة حسنة.
قال الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين: (فقوله صلى الله عليه وسلم: " كل بدعة ضلالة " من جوامع الكلم، لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أخرجه البخاري 3/ 167 رقم 2697، الفتح 5/ 355، فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة) انتهي جامع العلوم والحكم، ص 233
وليس لهولاء حجة على أن هناك بدعة حسنة إلا قول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح: (نعمت البدعة هذه) صحيح البخاري 2/ 252 رقم 2010 معلقاً، الفتح 4/ 294
وقالوا أيضاً: أنها أُحدثت أشياء لم يستنكرها السلف، مثل: جمع القرآن في كتاب واحد، وكتابة الحديث وتدوينه.
والجواب عن ذلك أن هذه الأمور لها أصل في الشرع فليست محدثة.
وقول عمر: (نعمت البدعة) يريد: البدعة اللغوية لا الشرعية، فما كان له أصل في الشرع يرجع إليه، إذا قيل: إنه بدعة، فهو بدعة لغة لا شرعاُ، لأن البدعة شرعاً ما ليس له أصل في الشرع يرجع إليه.
وجمع القرآن في كتاب واحد له أصل في الشرع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابة القرآن لكن كان مكتوباً متفرقاُ، فجمعه الصحابة في كتاب واحد حفظأً له.
والتروايح قد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ليالي وتخلف عنهم في الأخير خشية أن تُفرض عليهم، واستمر الصحابة رضي الله عنهم يصلونها أوزاعاً متفرقين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، إلى أن جمعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلق إمام واحد كما كانوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هذا بدعة في الدين.
وكتابة الحديث أيضاً لها أصل في الشرع، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة بعض الأحاديث لبعض أصحابه لما طلب منه ذلك، وكان المحذور من كتابته بصفة عامة في عهده صلى الله عليه وسلم خشية أن يختلط بالقرآن ما ليس منه، فلما توفي صلى الله عليه وسلم انتفى هذا المحذور، لأن القرآن قد تكامل وضبط قبل وفاته صلى الله عليه وسلم، فدوّن المسلموت السنة بعد ذلك حفظاً لها من الضياع، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً، حيث حفظوا كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم من الضياع وعبث العابثين.
ويقال أيضاً: لماذا تأخر القيام بهذا الشكر على زعمكم فلم يقم يه أفضل القرون من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وهم أشد محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأحرص على فعل الخير والقيام بالشكر، فهل كان من أحدث بدعة المولد أهدى منهم وأعظم شكراُ لله عز وجل؟ حاشا وكلا.
6 - قد يقولون: إن الاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم ينبئ عن محبته فهو مظهر من مظاهرها، وإظهار محبته صلى الله عليه وسلم مشروع!
والجواب أن نقول: لا شك أن محبته صلى الله عليه وسلم واجبة على كل مسلم أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين - بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه - ولكن ليس معنى ذلك أن تبتدع في ذلك شيئاً لم يشرعه لنا، بل محبته تقتضي طاعته واتباعه، فإن ذلك من أعظم مظاهر محبته، كما قيل:
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحبّ لمن يحب مطيع
¥