تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[عائشة وأثرها في حياة تلامذتها]

ـ[عبد الرحمن الطوخي]ــــــــ[07 - 10 - 10, 03:07 م]ـ

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ السلام على مَن لا نبيَّ بعده.

وبعد:

فإنَّ السيِّدةَ عائشة - رضي الله عنها - حَفِظتْ لنا أحاديثَ كثيرة، وروتْ علمًا كثيرًا طيبًا، مباركًا فيه عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى غدَتْ مربيَّة، ومعلِّمة، ومحدِّثة، ومفسِّرة، وفقيهة.

ولا يشكُّ عاقلٌ أنَّ المرء إذا بارك الله له في عِلْمه، يُوفَّق لتلاميذ بَرَرة، ينشرون علمَه في المشرِق والمغرِب، حتى يكونَ مِلءَ السمع والبصر في الدنيا بأَسْرها، فيستفيد القاصي والداني بما كتَب وسطَّر، وشَرَح ووضَّح، وذلك يرجع إلى التلاميذ الأوفياء، الذين اعتنوا بذلك، وجعلوه محورَ ارتكازهم، وجُلَّ اهتمامهم، متأثِّرين مع ذلك بلَفْظ العالِم ولَحْظه.

والحُرُّ هو مَن يرْعى وداد لحظه، وإفادَة لفظه - كما قال الشافعي - رحمه الله.

وما جَعَل مالكًا يفوق اللَّيْثَ بن سعد، إلاَّ لأنَّ أصحابَه قاموا بعِلْمه ونشروه، وإلاَّ فقدْ قال الشافعي - وهو مَن هو في عُلُوِّ كَعْبِه في العِلم، وتلميذ مالك - إنَّ الليث أفقهُ من مالك، ولكن أصحابه لم يقوموا به؛ يعني: لم ينشروا علمَه، ولم يجوبوا البلادَ في نشْر مذهبه، كما كان حال مالك - رضي الله عن الجميع.

والسيِّدةُ عائشة - رضي الله عنها - حدَّث عنها أناسٌ كثيرون، وضمَّتْ مدرستُها عددًا كبيرًا من التلاميذ، وتخرَّج على يديها سادةُ العلماء مِن التابعين.

والمرْء يَصعُبُ عليه حصْرُ هؤلاء الأفاضل مِن التابعين الذين حمَلوا العلم عنها، ولكنَّ حسبَ القلادة ما أحاط بالعُنق، ومِن السوار ما أحاط بالمِعْصم، أنْ نقِفَ مع أشهر التلاميذ الذين حمَلوا العلم عنها، ونشَروه في الآفاق، وصاروا أئمَّةً يُقتدَى بهم في العِلم والعمل.

فمن أشهر هؤلاء:

1 - عروة بن الزبير - رحمه الله تعالى -:

الإمامُ الكبير، القُدوة، عالِم المدينة، وأحَدُ فقهائها السَّبعة، أبو عبدالله، القُرَشي الأسدي المدني، أبوه الزُّبَير بن العوَّام، حواري النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأُمُّه أسماء بنت أبي بكر - ذات النطاقين.

وُلِد في خِلافة عمر سَنَة ثلاث وعشرين للهِجرة، تفقَّه بالسيِّدة عائشة، وكان يدخل عليها كثيرًا.

أثْنَى عليه أهلُ العلم ثناءً عطرًا:

قال عمرُ بن عبدالعزيز: ما أجِدُ أعلمَ من عروة بن الزُّبَير، وما أعْلَمه يعلم شيئًا أجهله.

حدَّث الأصمعي عن مالك، عن الزهري، قال: سألتُ ابن صُعَير عن شيء من الفِقه، فقال: عليك بهذا، وأشار إلى ابنِ المسيّب، فجالستُه سبع سنين لا أرى أنَّ عالِمًا غيره، ثم تحوَّلتُ إلى عروة، ففجَّرْتُ به ثَبَجَ بَحْر.

وحدَّث ابنُ أبي الزناد: قال حدَّثني عبدالرحمن بن حُمَيد بن عبدالرحمن، قال: دخلتُ مع أبي المسجِدَ، فرأيتُ الناس قد اجتمعوا على رجل، فقال أبي: انظرْ مَن هذا، فنظرتُ فإذا هو عروة، فأخبرتُه وتعجبْت، فقال: يا بني، لا تعجبْ، لقد رأيت أصحابَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسألونه؛ "سير أعلام النبلاء" (4/ 425).

قلت: وحديثُه في الكُتُب السِّتَّة.

وقال ابنُ شهاب: كان إذا حدَّثَني عُروةُ، ثم حدَّثتْني عمرة، صدَّق عندي حديث عمرة حديث عروة، فلمَّا بحرتهما إذا عروة بحْر لا ينزف؛ "تهذيب التهذيب" (7/ 164).

قال ابن سعد: كان فقيهًا عالِمًا، كثيرَ الحديث، ثبتًا مأمونًا؛ "الطبقات" (5/ 43).

وقال ابن حبَّان: "كان مِن أفاضل أهلِ المدينة وعُلمائهم"؛ "الثقات" (5/ 194، 195).

وقال سفيانُ بنُ عيينة، عن الزهري: كان عروة يتألَّف الناس على حديثه؛ "السير" (4/ 425، 431)، "تهذيب التهذيب" (7/ 164).

وكان يقول لأبنائه: "يا بَنِيَّ، تعلَّموا العِلم، فإنَّكم إنْ تكونوا صغارَ قوم، عسى أن تكونوا كبارَهم، واسوأتاه، ماذا أقبحُ مِن شيخ جاهل؟! "؛ "حلية الأولياء" (2/ 177).

وفي رواية أُخْرى عن مُبارك بن فَضالة، عن هشام، عن أبيه: "أنَّه كان يقول لنا ونحن شباب: ما لكم لا تَعلَّمون؟! إنْ تكونوا صِغارَ قوم يوشك أن تكونوا كبارَ قوم، وما خير الشَّيْخ أن يكون شيخًا وهو جاهِل؟! "؛ "السير" (4/ 424).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير