تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الحافظ: "قال الخَطَّابي: وإنَّما أرْخَصَ لعائشة فيها؛ أي: اللُّعَب؛ لأنها إذْ ذاك كانت غيرَ بالغٍ، قلتُ: وفي الجزم به نظرٌ لكنَّه مُحتملٌ؛ لأن عائشة كانتْ في غزوة خيبر بنت أربع عشرة سنة؛ إمَّا أكملَتْها أو جاوزَتْها أو قاربَتْها، وأمَّا في غزوة تبوك فكانتْ قد بلغتْ قَطْعًا؛ فيترجَّح رواية مَن قال في خَيْبَر"؛ انتهى.

وخَيْبَر كانتْ سنة سبعٍ.

وروى مسلم (1422) عن عائشة - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوَّجها وهي بنت سبعِ سنين، وزُفَّتْ إليه وهي بنت تسعِ سنين، ولُعَبُها معها، وماتَ عنها وهي بنت ثمان عشرة".

قال النووي: "المرادُ هذه اللُّعَب المسمَّاة بالبنات - العرائس - التي تلعبُ بها الجواري الصِّغار، ومعناه التنبيه على صِغَر سنِّها"؛ انتهى.

وفي هذه الرواية قالتْ: (وأنا بنت سبعِ سنين)، وفي أكثر الروايات: (بنت سِت)، والجمع بينهما أنَّه كان لها ستٌّ وكَسْر، فمرَّة اقتصرتْ على السنين، ومرة عَدَّتِ السنة التي دخلتْ فيها؛ أفادَه النووي في شرْح مسلم.

وقد نقَل ابنُ كثير - رحمه الله - أنَّ هذا أمرٌ مُتَّفقٌ عليه بين العلماء، ولم يُذكرْ عن أحدٍ منهم خلافُه، فقال - رحمه الله: "قوله: (تزوَّجَها وهي ابنة ست سنين، وبَنَى بها وهي ابنة تسع)، مما لا خِلافَ فيه بين الناس - وقد ثبتَ في الصِّحاح وغيرها - وكان بناؤه بها - عليه السلام - في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة"؛ انتهى من "البداية والنهاية(3/ 161).

ومن المعلوم أنَّ الإجماع معصومٌ من الخطأ؛ فإنَّ الأُمَّة لا تجتمعُ على ضَلالة؛ فقد روى الترمذي (2167) عن ابنِ عُمر - رضي الله عنهما - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ الله لا يجْمعُ أُمَّتِي على ضَلالة))، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع(1848).

أما مسألة صِغَر سنِّها - رضي الله عنها - واستشكالك لهذا، فاعْلم أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - نشأ في بلاد حارَّة - وهي أرض الجزيرة - وغالبُ البلاد الحارَّة يكون فيها البلوغ مُبكِّرًا، ويكونُ الزواج المبكِّر، وهكذا كانُ الناس في أرض الجزيرة إلى عهْد قريبٍ، كما أنَّ النساء يَخْتَلِفْنَ؛ من حيث البِنْيَة والاستعداد الجِسْمي لهذا الأمر، وبينهُنَّ تفاوتٌ كبيرٌ في ذلك.

المطعنالثالث: إنْ كانت عائشة خرجتْ تقاتِلُ عَليًّا، فلماذا لم يسبها في معركة الجَمَل؟

الجواب:

أولًا: إنَّ مُعتقَد أهْلِ السُّنة والجماعة الإمساكُ عمَّا جَرَى بين أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والترضِّي عنهم جميعًا، واعتقادُ أنهم مجتهدون في طلب الحقِّ؛ للمصِيب منهم أجران، وللمُخْطِئ أجرٌ واحد.

ولَمَّا كانتْ كُتب التاريخ مَشحونة بكثيرٍ من الأخبار المكذوبة التي تحطُّ من قَدْر هؤلاء الأصحاب الأخيار، وتصوِّرُ ما جَرَى بينهم على أنَّه نزاعٌ شخصي أو دُنيوي، فإليك جُملة من الأخبار الصحيحة حول هذه المعركة، وبيان الدافع الذي أدَّى إلى اقْتِتال الصحابة الأخيار - رضي الله عنهم.

أولًا: بُويع عَلِي - رضي الله عنه - بالخلافة بعد مَقتل عثمان - رضي الله عنه - وكان كارهًا لهذه البيعة رافضًا لها، وما قَبِلَها إلاَّ لإلحاح الصحابة عليه، وفي ذلك يقول - رضي الله عنه -: "ولقد طاشَ عقْلِي يوم قُتِل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاؤوني للبيعة فقلتُ: والله إني لأستحيي مِن الله أنْ أُبايعَ قومًا قتَلوا رجلاً قال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة))، وإنِّي لأستحيي مِن الله أنْ أُبايعَ وعثمانُ قتيلٌ على الأرض لم يُدْفَنْ بعدُ، فانْصِرفوا، فلمَّا دُفِن رجَعَ الناس فسألوني البيعةَ، فقلتُ: اللهمَّ إنِّي مُشفقٌ مما أقْدِم عليه، ثم جاءتْ عزيمة فبايعتُ، فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين، فكأنَّما صُدِعَ قلبي، وقلتُ: اللهمَّ خُذْ منِّي لعثمان حتى ترضَى"؛ رواه الحاكم، وصحَّحه على شرْط الشيخين، ووافَقَه الذهبي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير