سادسا: يزعم أن الأحاديث لم تكتب لا في زمن رسول الله ولا في زمن الخلفاء وبقي يتناقله الناس مشافهة أكثر من 150 سنة إلى أن أقدم مالك على جمعه في عام 179 هجري
وهذا جهل آخر يضاف لبنك جهالاتك وخصوصا في تاريخ التدوين .... ثبت أن بعض الصحابة كانت لهم صحف خاصة يدونون فيها بعض ما سمعوه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص التي كان يسميها بالصادقة وأخرج أحمد في مسنده قطعة كبيرة منها، وكانت عند علي رضي الله عنه صحيفة فيها أحكام الدية وفكاك الأسير كما ثبت في البخاري، وهناك كتب أخرى لسعد بن عبادة وحكيم بن حزام وغيرهم من الصحابة ... كما ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب لبعض أمرائه وعمَّاله كتبًا حددَّ لهم فيها الأنصبة ومقادير الزكاة والجزية والديات، إلى غير ذلك من القضايا المتعددة التي تدل على وقوع الكتابة في عهده عليه الصلاة والسلام ... أما قولك أن مالكا هو أول من أقدم على جمع الأحاديث فهذه سقطة أخرى يسامح عليها من هو مثلك ... فقد سبق مالكا الزهري و الربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة!!! .... هذا من جهة اللغط التاريخي الذي سردته
من جهة أخرى ... من المعلوم بديهة أن المشافهة كانت هي الوسيلة الأبرز –وليس الوحيدة- التي استخدمها المسلمون الأوائل في نقل الأخبار ... ولقد نقلت لنا معلقات من عصور الجاهلية تماما كما هي عذبة طرية من أفواه قائليها ... وهذا دليل على قريحة كانت عند العرب في نقل الأخبار ... ولم يعتمدوا على الكتابة لأن الذاكرة كان وسيلة الحفظ ... وهذا يتغير من عصر لعصر ... وقد لاحظ التابعين هذا التغير وخصوصا بعد التداخل الاجتماعي والثقافي مع الأمم الأخرى ... فعمدوا إلى الكتابة لمن عجز عن الحفظ ... ثم استقر الأمر على جعل الكتابة هي الوسيلة الآمنة للنقل ... تماما كما كان الطب ينقل من جيل لجيل بالتجربة و المشاهدة ... والآن ينقل إلينا بالكتب والأبحاث والتطبيق العملي في المستشفيات ... فلكل زمان أدواته ... فحاكم زمانهم بمعيارهم لا بمعيار زمانك ... وإلا لا تستغرب أن يغشى على رجل من القرن الخامس عشر وهو يراك تركب "الحمامة الطائرة" وهو ما زال يركب بغلا أملحا أغبرا يهش الذباب بذيله!
سابعا: يقول لو كان "ما يسمى الحديث" من الدين الله فلن يضير القرآن لو اختلط به لأنهما كل من عند الله؟
سؤال هامشي: هل عدد ركعات الصلاة من دين الله أم لا؟
أو أنك تقوم بواجب الصلاة عن طريق المعنى اللغوي وتدعو الله وأنت تتناول "الفطور الانجليزي" على أنغام الموسيقى الكلاسيكية المؤثرة!!؟
ولا أدري كيف تمارس الاسلام في حياتك؟ ولا أدري كيف تعلم أبناءك ممارسة الصيام والزكاة والحج وغيرها من الأمور التعبدية التي ذكرت إجمالا في القرآن ولم تفصلها إلا السنة النبوية؟ وعدد ركعات الصلاة وأوقاتها قد ثبت بنفس الطريقة التي ثبت بها القرآن ... ألا وهي الرواية! فهل تؤمن ببعض السنة وتكفر ببعض؟
فإن كنت باحثا منهجيا فأنت أمام أمران: إما أن تؤمن بالجميع ... وإما أن تكفر بالجميع ... وإذا اخترت الطريق الثالث وآمنت ببعض وكفرت ببعض ... فأنت كمن يؤمن أن أعلى كيس الملح مالح وأدناه حلو ... فحينها أقول حيا هلا بالسفسطة في أجمل حلتها وزينتها!
أما باقي الكتاب – كأوله - فغثاء وعواء ومكاء وتصدية. فمثلا - ومعذرة لذوق القراء- الأخ ابن قرناس يتساءل كيف عرف رسول الله بآخر أهل النار خروجا منها .. ويستدل لذلك بما أخجل من عرضه هنا!
لكن لي أن أهمس في أذنه ... هل كان الله يعلم بآخر أهل النار خروجا منها؟
فإن قال لا .... فقد قد نفضت يدي منه وقطعني في حجته
وإن قال نعم ... فأنت تقول أن الرسول ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ... إذا هو وحي.فلا داعي للمكابرة
وما أضحكني أكثر أن ابن قرناس يتساءل كيف يليق بالرسول عليه السلام أن يسأل الصحابة "ألغازا" وهو ما ينطق عن الهوى!! وكأن الرسول الأعظم جلس 23 سنة لا يتحدث إلا بالقرآن مع أهله وأصحابه وأعدائه ... والدليل قوله تعالى ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى!!؟ وأنت بعظمة لسانك تقول أن الحديث حتى لو ثبت عن رسول الله فلا يؤخذ منه حكم؟ أم أن الفصول الأخيرة من كتابك مكتوبة بقلم صديق آخر؟
¥