تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن أول مُعلِّم في الإسلام هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول طلبة علم هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين صاروا من بعده معلمي العالم، كما قال صلى الله عليه وسلم "وإن العلماء هم ورثة الأنبياء"؛ فكانوا يعلمون الناس أمور دينهم عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاقاً متدرجين معهم في التعليم شيئاً فشيئاً عملاً بقول الله تعالى {ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} [آل عمران: 79]، ومن بعدهم التابعون لهم بإحسان ومن تبعهم ممن جاء بعدهم ساروا على هذا المنهج الرباني القرآني، كل جيل يتحمل العلم ويحمله من يأتي بعده، كما روي عنه صلى الله عليه وسلم: "يحمل هذا العلم من كل خلق عدوله"، ففتحوا البلاد بالجهاد، وفتحوا القلوب بالتعليم حتى نشروا ذلك في المشارق والمغارب مما لم يُعرف نظيره في أمة من الأمم قبلهم. وكان هذا العلم الغزير تحمله اللغة العربية التي نزل القرآن بها، فتعلمها الناس عرباً وعجماً؛ فصارت هي اللغة العالمية، وتخصص بها وبعلومها ألوف من العجم بحُكْم أنها لغة القرآن ولغة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن فَهْم هذا الدين إلا بفهمها وفَهْم مشتقاتها؛ فتفجرت من الكتاب والسنة بحور العلم، وامتلأت مكتبات العالم من كتب الإسلام مما لم يعرف في ديانة من الديانات، وذلك معجزة لهذا الرسول ورحمة للعالم كما قال تعالى: {ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107]، وكان مهمة هذا الخير ومنبع هذا النور من بلاد الحرمين مكة والمدينة وما جاورهما من بلاد الجزيرة العربية التي هي مهد الرسالة ومهبط الوحي وجزيرة الإسلام التي قال فيها النبي: "لا يبقى فيها دينان"، ومنها انطلقت جحافل المجاهدين وقوافل الدعاة والمعلمين، وكانت هذه المملكة العربية السعودية هي الوارثة لهذا الخير والقائمة عليه، تتجه لها القلوب والأبدان، وتقصدها الوفود الغزيرة كل عام، آمين البيت الحرام ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً، وتتسابق إلى جامعاتها أفواج الدارسين من كل صقع في العالم، يتفقهون في الدين، ويحملونه إلى من خلفهم عملاً بقوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} [التوبة: 122].

إنَّ كل دولة تضع مناهج التدريس فيها حسب النظام الذي تسير عليه في سياستها، ولما كان النظام لدينا وفق تعاليم الإسلام، ولا يمكن تعلم الإسلام ولا تعليمه إلا بتعلم لغته التي هي اللغة العربية، فلا يبقى مسلم أعجمياً، فترجمة علوم الإسلام إلى اللغات الأجنبية عجزٌ من العرب وتعجيز للغتهم التي اختارها الله لحمل هذه الرسالة إلى العالم، وتمويتٌ لها.

ولما كانت الجزيرة العربية عموماً والبلاد السعودية خصوصاً بصفتها مهبط الرسالة وبلاد الحرمين الشريفين هي قلب العالم الإسلامي ومهوى أفئدة المسلمين فإن جامعاتها ومناهجها يجب أن تكون هي التي تصدر الإسلام وعلومه إلى العالم؛ ومن ثم لما مكّن الله للملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - في هذه البلاد المباركة قام بفتح المدارس والمعاهد التي هي نواة الجامعات، ووكّل إلى العلماء وضع مناهجها المتضمنة علوم القرآن والسُّنة والفقه واللغة العربية وعلومها، وواصل أبناؤه من بعده دعم هذه المؤسسات العلمية لتؤتي ثمارها لا للمملكة فحسب وإنما للعالم الإسلامي كله.

فالتعليم مربوط بالعلماء من حيث وضع خططه ومناهجه ومتابعته وتنميته، ومتى انفك التعليم عن العلماء ضاع وتغير وحل محله الجهل وفساد العقائد، وهذا ما يريده الأعداء حينما دسوا على الإسلام فرقتَيْ الخوارج والمعتزلة اللتين اعتزل أصحابهما العلماء ووضعوا لأنفسهم مناهج خاصة نتج منها الضلال والانحلال، وتعددت الفرق الضالة التي ما زال المسلمون يعانون منها ويحاربون أفكارها. وإننا نسمع في هذا الوقت أصواتاً تنعق بالمطالبة بتغيير المناهج التعليمية ونزعها من أيدي العلماء وجعلها بيد الجهلة المسمين بالتربويين حتى تصبح المناهج الإسلامية اسماً بلا مسمى، وحتى يكون الإسلام إسلاماً علمانياً لا إسلاماً مُحمدياً، ومنهجاً لا يفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال، ولا يفرق بين المسلم والكافر والمؤمن والمنافق والبَرّ والفاجر على ما جاء به

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير