تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[خواطر القاهرة العلمية والأدبية ........ بجوار النيل العظيم ....]

ـ[خضر بن سند]ــــــــ[14 - 10 - 10, 05:17 ص]ـ

جلسة على ضفاف نهر النيل العظيم

ربما لا يحس المرء بحياته إلا في لحظات الصفاء , وربما غابت الروح في عالمها حين تخرج من الجسد المضرج بجراح الأيام , ربما جلس الأعرابي يناجي ليل الصحراء ونجومها حتى تغدوا سعادته ونعيمه بين تلال الرمال وتحت أضواء النجوم الحنونة في ليل بارد ولطيف.

بين المدينتين المقدستين (مكة والمدينة) مشت أقدامي وأنا طفل صغير.

كنت أتعرف على المجهول في هذين المسجدين (المسجد الحرام والمسجد النبوي) , فأدور وأنا في ميعة الطفولة على الأبواب الكثيرة أحفظ أسمائها , اقف بجرم صغير واتأمل أو أتعرف على أعمدة المسجدين المقدسين , كان البنيان الكبير دافعاً لفضول الطفل الصغير ليعرف سر اهتمام الناس بهما , هل يحبهما الناس للبنيان وروعته؟؟ , أم لشيء معنوي فيهما؟؟ أم للأمرين معاً؟؟.

كنت عشقتهما كما اعشق الماء البارد , ولذلك لم أفارقهما إلا لأعود إليهما محملاً بالمعرفة والفائدة لأهلها , فمن القدر الجميل أن أكبر أنا وأتغير , وتكبر المساجد المقدسة بفضل التوسعات الهائلة التي لم يكن يعرف التاريخ لها مثيلاً!! , فتغيرت أنا وتغير كثير من معالمها وأحيائها , فهل نحن ننمو سوياً؟.

قطعاً لا .. ولكني لا زلت عاشقاً للمسجدين.

وإنسان مثلي تقلب بين جبال الأزد الهائلة الارتفاع , ثم قضى ما تبقى بجوار البحر الأحمر الجميل الفاتن , مثل هذا الإنسان لن يجد ما يسلي نفسه إلا بجوار جبال عالية خضراء , أو بجوار بحر ناعم وصافي.

في زيارة سابقة لي للقاهرة الجميلة في أشدّ أشهر البرد , ناجيت النيل وناجاني , وأصبحت عنده طفل يتحدث لقلب حنون , أخبرته بهمومي , واخبرني وهو يسليني عن الأمم العظيمة التي عاشت على ضفافه.

ولكني بصراحة لم أجد لذة (الفناء الغير صوفي) إلا على سفح المقطم , عندما صعدته , كان الشتاء قارصاً , ولكني وجدت دفئ القاهرة , وكانت الحافة الصخرية عميقة , ولكني جلست عليها وغمست قدماي في هواء القاهرة البارد.

وإذا أنا أمام حضارة القاهرة وتألق القاهرة , كانت الأضواء في الليل الشاتي أشبه ما تكون بشراب مسكر يتغلغل في عروق مستهام , كنت أسبح بروحي مع كل ذرات الهواء , السلام على كل سكان القاهرة , السلام على مصر , السلام على الأنبياء الكرام الذين سارت أقدامهم في مصر , السلام على الصحابة الكرام فاتحي مصر , السلام على التاريخ والحضارة , السلام على الفقراء والمعدمين , السلام على كل معنى في القاهرة , وكنت لا أتوقف عن النظر حتى بلغت نفسي من الصفاء ما لو بقي معها حتى الممات لجعلها اسعد أهل الأرض ..

وبعد ذلك الموقف الجميل , عادت الأيام لأجد نفسي مضطراً أنطرح بين أحضان القاهرة , عدت إلى الصخب المصري , والتلوث السمعي والبيئي , عدت للمدينة التي تحوي خمسة عشر مليون شخص , تعيش بصخبها أربعة وعشرين ساعة متواصلة , تعيش في حراك دنيوي وعلمي وتقني وثقافي دائم , المدينة الصاخبة حاملة الآثار وخازنة الأسرار ...

عدت لمصر , ابحث عن المعرفة , أقابل العلماء والمفكرين , اقبل تراب الأرض الطاهرة , أتأمل في المراكب الشراعية في النيل الجميل , أقابل الفلاحين والمزارعين , أتنقل بين المساجد والمكتبات.

(حوش حوش الحلوين وصلو , حاسب ياله , بص يا حج أنا حائلك حاجة , اهلاً بأهل مكة دول أجدع ناس , عاوز حاجة معينة يا باشا دا أحنا خدامينك , يا محمد شوف عم الحج عاوز إيه ....... ) وكثيييير من الكلمات التي تسمعها وأنت عابر بسرعة قبل ما تصل لهدفك في أسواق القاهرة ومناطقها التاريخية , الباعة المصريون يخترعون أجمل الحيل والألفاظ لكسب الزبائن .....

وهكذا العلماء والكتاب المصريون .... يتنمقون في الألفاظ الجميلة الرشيقة والعناوين المغرية والعجيبة حتى يجذبوا القراء للقراءة والتزود من العلوم , فالعالم والكاتب والبائع كلهم أصحاب سلع ينفقونها , ولكن سلعة العالم لا تقدر بثمن ولا يعرف قيمتها إلا القلة من الناس , والعالم الحق لايكذب ولا يبالغ في الحقائق ,لكن العالم الجيد هو الذي يعرف الطرق الصحيحة والجذابة لنشر معلومته , وهكذا أهل مصر من قديم الزمن.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير