تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

* أن الجنون في صلب العقل والحقيقة!! .. ومن الربط بالأديان أن فتنة عيسى عليه السلام بناءً على عقيدة الصلب عندهم مرتبطة بتضحية إبراهيم الخليل عليه السلام، والذبيح عندهم افتراءً إسحاق عليه السلام؛ ولهذا يجعلون بين العهد القديم الذي هو التوراة وتوابعها وبين العهد الجديد الذي هو الأناجيل والرسائل والرُّؤَى علاقات خيالية تُثري آدابهم، وتُرسِّخ الجنون الاختياري؛ ليكون الجنون إرادة حُرَّة تسخر بآلام البشرية الواقعية وآمالهم التي هي أحلام .. واخترعوا حيوانات أسطورية ترمز إلى (حقيقة المعرفة) بأنها أيضاً من الآمال التي هي أحلام؛ فالغرابيل (الغيتمنِش) حيوان كبير يزداد طولاً كما نزداد عن الحقيقة بُعْداً .. وهناك حيوان آخر عجائبي يلتفُّ عنقه الطويل جداً ألف مرة حول نفسه؛ وذلك أيضاً رمز البُعْدِ عن الحقيقة .. إن الجنون الاختياري إرادة حرة للسخرية والعبثية والعدمية، وهو سياج صفيق دون العلم بمعرفة حقيقية؛ ولهذا حكى فوكو جنونية اختيارية عن (كاردان)، ونصها: ((إن الحكمة مثل المواد الثمينة يجب أن تُنزع من قلب الأرض)) .. أي لا حكمة ولا معرفة في هذه الحياة على وجه الأرض، وهذا أوسع باب لهيبية الإباحية وفلسفات اللامعقول .. وربطوا حقائق الدين غير مُتَأَثِّمين ولا مُتورِّعين بخيالاتهم المنتجة للإلحاد والإباحية وعقوبات العدمية .. ومع الربط حَرَّفوها؛ فجعلوا شجرة الخلد (التي قص الله سبحانه وتعالى وسوسة إبليس لعنه الله بها إلى آدم عليه السلام) شجرةَ معرفةٍ وهداية مغروسة في الجنة الأرضية فانتزعت من مكانها؛ فأصبحت الأرض ومن عليها بلا هداية؛ فهم يتحدَّثون بلغة إبليس!! .. وبهذا كان الجنون الاختياري عندهم معرفة حقيقية بأن الوجود عبث؛ فجعلوا ربي جل وعلا وتقدس خالقاً للإنسان سُدى، وخالقاً للموجودات بلا حقٍّ ولا حكمة؛ فليحذر أدباء الحداثة الاحتواء السريع بلا محاكمة عقلية، وهداية شرعية .. وفي رمزيات الجنون في آدابهم عما سَمَّوه (شجرة نسب الرذائل) ما لا يقوى قلمي على حكايته .. إن الجنون الاختياريَّ عندهم معرفة قلبية، وفي نفس الوقت هو عقاب بالممارسة لمعرفة غير ذات قيمة، ويعنون بها إرثهم؛ وهذا يعني التبديل والتحريف والإسقاط الذي دخل كتبهم؛ فجعل إرثهم عدماً، وجعل الجنون الاختياريَّ معرفة قلبية هي حقيقة المعرفة .. أي العلم بأن كل شيئ عبث .. قال شاعرهم:

*أنتم أيها العلماء الذين تتمتعون بِصِيت كبير.

التفتوا وراءكم لتتأملوا ميراث الأقدمين وقانونهم.

كتب للفكر لا تتغذى من ضيق الذهن.

ومعنى البيتين الأخيرين أن العلم لا يحصل من الفكر وهو ضِيقٌ ذهني، بل من القلب الذي هو المعرفة الجنونية الاختيارية، وسوء الترجمة فيما يظهر لي جعل المعنى متلعثماً مخالفاً للسياق النثري الذي كان مقدمة لهذه القصيدة .. و (برانت) من ذوي الغَيرة على الكتاب المقدس الذي يعبث به العابثون، ومع هذا لا يرى الشرور بما كسبت أيدي البشر عقاباً، ولا أنه سبيل النهاية؛ وإنما هو خطأ وعيب؟!! .. ومن ذوي الغيرة أيضاً (رونسار) في نقده مُعَذِّبي المجانين، ولكنه حمَّل المسؤوليةَ العقلَ في فراغه الكبير، ونسي أن الفراغ في المأثور لديهم .. قال:

*لقد طار العقل والعدالة إلى السماء.

ومكانها تربَّع اللصوص.

على أن هذه النغمة هي فلسفة الجنون الاختياري، وكالفين مِن صُنَّاع البروتستانتية التي أصبحت في العالم المسيحي ديانة سبتية، وقد جعل لله سبحانه عقلاً -وعلم الله جل جلاله مباشر بلا وسائط-؛ فقاس العالَم بالخالق جلَّ وعلا؛ ليخلص إلا أن العوالم جنون؛ فهذا مفتاح للعدمية، وترويج للوثنية اليهودية التي بلورها اسْبينوزا اليهودي في رسالة السياسة واللاهوت؛ فجعل نعيم الآخرة مشاركةَ الله في صفاته، وهي وثنية متأصِّلة في لاهوتهم الطبيعي؛ إذ جعلوا الرب سبحانه إنساناً كبيراً، والإنسانَ إلهاً صغيراً .. عليهم اللعنة من الله تترى إلى ما لا نهاية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير