تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال أبو عبدالرحمن: كتاب فوكو أكبر وأوسع من إيحاء عنوانه: (تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي)، بل هو زخم أدبي مضغوط؛ فاشتد غموضه لهذا الضغط؛ لأن مصادره التحليلية كتب كثيرة من الآداب الغربية ولا سيما المسرحيات؛ فهي إشارات لأشخاصٍ مسرحية ومواقف ثرية الدلالة جداً لا يستوعبها إلا مَن قرأ المسرحيات أو تفرغ لقراءتها؛ ولهذا فهو مصدر أدبي ثري؛ وإنما المهم الواقع العلمي والعملي في حياة العقلاء، كتفسيرهم الظواهر الكونية المتعلقة بالبشر، ولست أحصي ذلك؛ وإنما أذكر نماذج كحجز الفقراء والمجانين، وخلطهم في الحجز، وتفسير حالاتهم بأنها رمزُ أخلاق رديئة قابلة للإصلاح بالتوبة، وهو إصلاح لا شُمامة فيه للرحمة .. ومن ذلك انتشار الجمعيات السرية لتعاطي السحر، وكذلك الأزمات الاقتصادية كانخفاض الأجور وتفشِّي البطالة وقلة السُّيولة، وكل محجوز لأي سبب يُكلَّف بأعمال تحقِّق رفاهية المجتمع ولكن بأرخص الأجور؛ فكانت أماكن الحجز الغاصَّة مصادر اقتصادية، وكل فاجعة يُعالجها العقلاء (بسبب الفراغ من دين صحيح) بوحشية تُبكي القلوب؛ فالإصابات التناسلية قذارة لا أمراض؛ ولهذا تخفُّ المسؤولية الطبية وتبدأ الوحشية بحجزهم مع المتخلفين عقلياً؛ ليتلقَّوا العدوى!! .. والدين الصحيح عندنا أولاً الوقاية بالتربية الصالحة من الصغر، ومعانقة الفرد في تأرجحات عمره برقابة مجتمع معصوم العلن يعظ برفق، وينتقد برفق، ويكون الحياء من المجتمع سبباً في تغلُّب الفرد على نزواته .. وفي الدين الصحيح عقوبات محددة وإصلاح، ولا تتعدَّى العقوبة إلى مَن لا ذنب له كضعاف العقول في دور الحجز .. ويكون للقيام بذلك هيئات للحسبة تنظِّم الأمر بمقتضى الشرع في مرحمته وفي حكمته إذا استأصل العنصر الفاسد لدى القوم .. ويسبق ذلك تنظيم أُسري يُحَمِّل الرجال مسؤولية القوامة، ويحقِّق للمستضعفين والنساء حق الكفاية .. وشجرة الأسرة مباركة ممتدة الأغصان، وتسع بظلها فِئاماً من الخلق، وتوجد العاقلة، ولا يسقط ضعيفهم، وكل هذا معدوم أيضاً .. وأصبحت دور الحجز التي لا ترحم فوهة مدفع لقذائف الإلحاد من المحتجزين الساخطين وفيهم ذوو جنون اختياري بسبب الفراغ الديني، وصاحَب الإلحاد والإباحية أنواعٌ من العدمية كالسحر والشعوذة والتنجيم والاعتقاد في الأبراج، وانتشرت الجرائم البشعة، ورجل الدين عندهم يُظهر إصلاحه بالنبوءات الميتافيزيقية؛ فهذا البؤس تهديد بقرب يوم القيامة .. أي أن هذا قدر من الله كوني فارغٌ من تدبير شرعي يؤلف بين الإنسان والطبيعة، وبين الإنسان في امتداده الزمني بين حاضره وناظره!.

إن معظم جنون القوم ليس علاجه رُقْيةَ تَقيٍّ، ولا تجربة طبيب ماهر؛ لأنه سلوك حيواني اختياري منغمس في كل الرذائل، كما أن ابن ستة عشر عاماً وابنة هذا السن أيضاً كاللقيطين يُطردان من عشهما، وكمن كبر من فراخ الدجاجة تنقره أمه وتُنفِّره .. وعلاج هذا الانفلات بوقاية شرعية صالحة، وتربية مصلحين يكونون قدوة في سيرتهم، ومجتمع في الشارع يصون علنَه الحياءُ، ووعظ فكري مأذون به، وحسبة مأذون بها، وكفاية من الأسرة والمجتمع بحافز الدين ووازعه .. وهذا الانفلات في نفسه عقوبة عدمية؛ لأنه مسخ للخصائص الإنسانية؛ ولكون هذا الجنون الاختياري انفلاتاً يعني المسخ قال (ماتوران لوريكار) عن الفرد من أفرادهم: ((إنه ذئب باعتبار ضراوته، وأسد باعتبار لباقته، وثعلب باعتبار مكره وخداعه، وقرد وكلب باعتبار نميمته وسبابه وتشنيعه، وثعبان باعتبار بُخله، ولبؤة باعتبار تقلباتها، وفهد باعتبار بِدَعِه، وحية باعتبار شهوانية عينيها، وتنِّين يتحرَّق عطشاً باعتبار إدمانه، وخنزير باعتبار دعارته) ولو كان الحجز والترحيل والقمع والخلط بذوي الأمراض المعدية مقتصراً على هؤلاء دون غيرهم من ذوي الجنون الجبري: لرأى ذو العقل الذي لا يحمل ديناً صحيحاً أن ذلك عقاب لائق .. إلا أن كثيراً من ذوي العقول تلك يرون ذا المرض العقلي الجبري محبوراً إذا خُلط في الحجز بالمنحلِّين ذوي الأدناس القذرة جداً، والحجة أنهم أسندوا إلى (اللاعقل) كامل حقوقه!! .. ولست والله أعرف في أي دين رباني، ولا في أي تفكير نيِّر فلسفة لكامل الحقوق هذه .. إن المجنون الجبري يعالج، ويُحمى بإذن الله من خطره على نفسه، ولا يُجعل جنونُه غير الاختياري شريعةً لممارسة الانحلال.

وأما الجنون الاختياري في الفلسفات بوعي تضليلي فله شأن آخر لا يسوِّغه الفراغ الديني، ولذلك حديث يأتي إن شاء الله، وفلسفته أنه نقد للواقع المريض .. قال شاعرهم:

*بقدر ما أصقل نفسي وأنحتها

وهذا هو مفتاح الحسبانية، وإلى لقاء بحول الله وقوته، والله المستعان.

(1) قال أبو عبدالرحمن: لأنه بعث فيه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ونزلت عليهم الكتب الإلهية.

(2) قال أبو عبدالرحمن: لأن الله نسخ بشرعه جميع الشرائع، ولم يقبل الله غير دين الإسلام ديناً.

(3) قال أبو عبدالرحمن: التلثم شعار فرسان العرب، والعمائم تيجانهم.

(4) قال أبو عبدالرحمن: المأثور عن عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا محمد وعلى جميع أنبياء الله ورسله أفضل الصلاة والسلام: إذا ضربك أحد على خدك الأيسر فأدر له خدك الأيمن.

(5) قال أبو عبدالرحمن: أما في الواقع العملي فلم ترفع الظلم عن البوسنة والهرسك وعشرات من الأمم المستضعفة.

(6) قال أبو عبدرالحمن: يرون في دعوى الصليب أن تضحية عيسى بن مريم عليهما السلام كفارة لأخطاء أمته.

(7) قال أبو عبدرالحمن: النخب الخمرة والنبيذ.

(8) قال أبو عبدالرحمن: ويستثنى نوادر كسيد مكاوي.

(9) قال أبو عبدالرحمن: كناية عن جشعهم واحتكارهم ودعوتهم للجنس الحرام والإجهاض وتحطيم بناء الأسرة.

(10) قال أبو عبدالرحمن: هذا إلى مكايد اليهود المتقنعة بالشيوعية العالمية قبل سقوطها.

(11) قال أبو عبدالرحمن: عصا روزفلت الوجه الآخر لسياسة الغرب، والوجه الأول سياسة الدولار لشراء العملاء.

(12) قال أبو عبدالرحمن: وهذا ما حصل في البوسنة والهرسك.

وكتبه لكم:

أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري

ـ عفا الله عنه ـ

الجزيرة: السبت 08 ذو القعدة 1431 العدد 13897

http://www.al-jazirah.com.sa/20101016/ar9d.htm

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير