تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

*، وكتاب فوكو مليئ بالرموز والأقنعة لأدباء الحداثة - إن كانوا لا يزالون معلقين برموز الخواجات - بعد أن مللنا صخرة سيزيف وخصب تموز، وأصبحت مسكوكات شرقية بعد أن كانت ابتكاراً خواجياً؛ فعزفنا عنها بدافع الملل .. لقد استشرى مرض الجذام (ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- علمنا التعوذ من الجذام والجنون وسيِّئ الأسقام) في بلاد أوربا إلى نهاية ما يسمونه بالقرون الوسطى، ولم تنسف الصهيونية بعدُ الكنيسةَ بما فيها من أثارة بعد التحريف والتبديل، وإن كانت ضعيفة الأثر؛ لأن الأثر الناجع لا يكون إلا مع إخلاص الإيمان بالله على الكمال المطلق، والرضا بأحكامه الشرعية والقدرية، والتصديق بأخباره عن الغيب، وقد أحصى فوكو تسعة عشر ألف مستشفى للجذام في كل بقاع العالم المسيحي نقلاً عن (ماتيو بريز) .. وكان شكرُ القوم لنعمة الله بزوال هذا المرض بنشاط الدروس العَلمانية، وأما ذوو الأثارة الدينية الضعيفة فكان لهم طقس ديني يُسمُّونه (التَّطواف المقدَّس) حمداً لله سبحانه .. ولكن السلوك غير شرعي؛ فالإرث المالي الذي فرضه الله مُلغى؛ لهذا أخذوا الثروات الهائلة للهالكين بالجذام لتعمير المستشفيات لأمراض أخرى، ولمساعدة الجنود المصابين، ومساعدة الفقراء .. مع أن فريضة الزكاة الدائمة، والصدقات المستحبة كفيلة بسعادة المجتمع، وما طرأ من مصائب ففي المال حق غير الزكاة والصدقة، وميشيل فوكو (وهو كاتب قدير مستوعب) يدور في فلك إرثه البيئي؛ فهو يُعيد اختفاء مرض الجذام إلى ثلاثة عوامل: أولها ممارسات غير طبية مشبوهة، وثانيها فصل عفوي بين المرضى وغير المرضى، وثالثها القطيعة مع البؤر الشرقية للداء بعد الحروب الصليبية.

قال أبو عبدالرحمن: من ظواهر النقص البشري ظهور التفاهات من العقول الكبيرة المحرومة من الزكاء (بالزاي) الشرعي؛ فالممارسات غير الطبية ليست من أسباب الشفاء، والفصل العفوي قليل، والذي حدث ظلم صارخ وهو ترحيل المصابين بالآلاف ونفيهم، واختلاطهم بآخرين غير مصابين .. وأما بؤر الداء الشرقية فلا يؤثر تاريخياً استشراء جذام جماعي في الشرق خلال الحروب الصليبية، والتاريخ لا يهمل مثل هذا الحدث الكوني العظيم المتعلِّق بالبشر، بل هو داء بدأ وانتهى في أوربا .. وأستدرك ههنا أن اليهود مواطنون قلة في كل بلد أوربي، وأهل الكتاب الآخرون حريصون على شفاء أبناء ملتهم؛ فيهود بلا ريب وراء الممارسات الطبية المشبوهة التي تطوَّرت بعد ذلك بشكلٍ مُروِّع؛ فعلى سبيل المثال مستشفى (بيساتر) قال عنه (فوكو): ((أعرف كما يعرف الجميع أنه في الوقت ذاته سجن، ولكنني أجهل أن المستشفى بني لكي يُولِّد الأمراض، وبني السجن لكي يُفرخ الجرائم)) .. ولا يمل فوكو من الحديث عن سوء دور الحجز، وخلط المجنون الذي لم يكن جنونه اختيارياً بالانحلاليين والمجرمين وذوي الأمراض المعدية كداء الحَفَر (فساد الدم) والجذام مع محاولات إخفاء ما يستجدُّ من داءٍ مُعْدٍ .. وبراعة القوم العلمية والعقلية في أمورهم الدنيوية تمنع من هذه الإجراءات لولا أيادٍ خفية تعمل في الظلام؛ فنشرت الرعب في المدن خارج دور الحجز؛ لسريان العدوى؛ فتولَّد الخوف والقلق اللذان كانا مرحلتين لعقوبات عدمية .. ولو كان الدين عندهم صافياً لاعتبروا بقوم موسى عليه السلام سلط الله عليهم الوباء لعلهم يرجعون، ثم كشفه عنهم لما طلبوا من موسى عليه السلام دعاء ربه بأن يكشفه عنهم، وأمثال هذا كثير في الأديان الإلهية .. والله سبحانه قبل بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- مقت أهل الأرض إلا بقايا من أهل الكتاب، و أَمَر ديننا الإسلامي بترك الرهبان ومتعبِّدة اليهود على ما نذروا أنفسهم له وإن كان الدين عندهم غير صاف؛ فالله سبحانه يستجيب للكافر في الضراء إذا لجأ إليه؛ فما بالك بمن عنده أثارة من دين الله المنسوخ شرعاً لا مِلَّة؟! .. ومن أثارتهم المشوبة غير الخالصة قول القديس في كنيسة فيينا وقد أصبحت فيما بعد وكراً للمفسدين في الأرض من صهاينة يهود: ((يا صديقي إنه ليرضى الله أن تكون مصاباً بهذا المرض؛ وإنها لعناية منه أن يعذِّبك على الشرور التي ارتكبتها في هذا العالم)) .. والتخلِّي عن المريض في معتقدهم إقصاء له يُعَدُّ خلاصاً، ويمنحه شكلاً آخر من الانتماء إلى الجماعة!!.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير