تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال أبو عبدالرحمن: كون الإنسان ممن إذا أُعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر: شريعةَ الرسل والأنبياء كافة عليهم صلاة الله وسلامه وبركاته بالضرورة الشرعية؛ لأن ذلك استسلام إيماني عن عقيدة مكينة بوحدانية الله على صفات الكمال، وهذا مما لا يدخله النسخ ألبتة؛ فلا يكون الابتلاء رحمة إلا إذا كان تكفيراً يصحبه الصبر والشكر على كل حال والاستغفار، والعافية خير لنا وأوسع؛ فأهملوا جانب الاستغفار والشكر والإنابة عقيدة وقولاً وعملاً .. ومع هذه الأثارة الضعيفة فقد استخفَّ فوكو بعناية الله وحكمته؛ فجعل الخلاص في أثارتهم الشرعية لعبة؛ وللفراغ من دين صحيح أصبح الجذام عقوبة عاجلة لا تكفيراً؛ لأن تكفير الله تعقبه عافية الله بعد إنابة المخلوق، وأما هؤلاء فكانت عاقبة الجذام عندهم عقوبات متلاحمة؛ فانتشر بين القوم الجنون فزعاً من ذلك الداء الهائل العارم، وانتشرت الأمراض التناسلية ابتداء بالزهري؛ ذلك أن القوم لم ينيبوا، وهم مغلوبون على أمرهم ممن يكيد لهم في الخفاء منذ بولس اليهودي (شاؤول المكرِّز) الذي غيَّر دينه إلى أن أصبحت الصهيونية عقيدة إلا عند قلة من يهود مغلوبين على أمرهم أيضاً .. وكان استعمال الزئبق للأمراض التناسلية مما أخذوه عن الأطباء العرب، وذكر فوكو أيضاً العلاج المُعْرِق، وهو عملية تُجبِر الجسد على إفراز العرق، وذكر في القرن السابع عشر ظاهرة حجز ذوي الأمراض التناسلية هم والأصحاء مع كثرة المصابين؛ فماذا كانت النتيجة؟ .. إنها انتشار جنون كجنون الفزع من الجذام، ووصفه بأنه (فضاء أخلاقي للإقصاء).

قال أبو عبدالرحمن: كلا .. ليس الحجز ههنا إقصاء ترفضه الأخلاق، وإنما الفضاء الأخلاقي بتخلُّف عنصر الإنابة للفراغ من دين صحيح .. وضَرْبُ المجانين، وترحيلهم، ونفيهم في السفن إلى جزر مهجورة وأماكن غريبة عليهم، والرمي ببعضهم في البحر: حقيقةٌ تاريخية واقعية، ولكن لقبحها وعِظَمِها وتخلِّيها عن المرحمة أنتجت فيما بعد أدباً خيالياً أسطورياً في آنِهِ لا في ماضيه؛ فوجدت ظاهرة (سفينة الحمقى) في آدابهم، وجعلوها مستعارة من (الأرغنوت) في أساطيرهم الوثنية عن مغامرة آلهة اليونان، وليست كرحلة السندباد التي هي للتسلية بالعجائب، وليست ترويعاً بالجرائم الآثمة؛ ولكثرة هذه الرحلات البحرية في الخيال الأوربي سموها الألحان الشائعة، وعَدُّوا من ذلك سفينة الأمراء من خيال سيمغوريون شامبيي، ومعارك النُّبل، وسفينة السيدات الفاضلات، وسفينة الصحة .. ومن خيال جاكوب فان أو ستفورن رحلة (بلوي شوت)، ويعرف ترجمتها حاذقو اللغة الفرنسية .. ومن خيال برانت سفينة الحمقى، ومن خيال جوسي باد سفينة الحمقى وزورق المجنونات .. والحُمق ليس جنوناً، ولكنه داء لدى بعض العقلاء؛ ولهذا قال الإمام الفحل أبو محمد ابن حزم رحمه الله في كتابه الإحكام في بحثه عن الإجماع منتقداً بعض العلماء العقلاء: ((أصناف الحمق أكثر من أصناف التمر)).

*، وهذا رأي توما الأكويني، ولكنهم يُعَمِّدونه دون غفران؛ لأنه لا يشكل تهديداً!! .. ألا ما أكثر أصناف التمر في إشارة الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى!! .. ثم جاء العقاب الرابع لتخلُّف الإنابة عن دين صحيح بمشروعية الجنون الاختياري بعد فلسفتهم للجنون الاضطراري، وجاءت هذه الفلسفة بعد أدبيات (سفينة الحمقى)!! .. لماذا؟ .. لا تعجلوا بطلب الجواب.

*، وهذا عند عقلائهم صرح لضميرهم بدلاً من قلعة النظام المرئية!!؟ .. ومن القيم الناتجة عن طرد المجانين: أن المجنون سلَّم نفسه إلى عالم اللايقين *غير اليقين* الرهيب الموجود خارج كل شيئ، وأن سجنه في بحرٍ أكثرُ حريةً وانفتاحاً، ونتيجة هذه الحرية أنه مُوْثَق بشدة بالملتقيات اللانهائية *غير النهائية* .. وهو سيخرج من البحر إلى امتداد خصيب بين أرض لا ينتمي إليها .. وهذه الخيالات يسمونها (ثيمات) وذكروا من نماذجها طفلاً مطروداً في زورق تلعب به الأمواج ثم يعود جديداً على الحقيقة، وخلص فوكو إلى ارتباط بين الماء والجنون في ذاكرة الأوربي، ومهَّدوا للجنون الاختياري بأسطورة (تريستان)، وهو طفل يتيم أُطيح بأبيه الملك منذ ولادته؛ فقد تنكَّر كريستان في ثوب مجنون، وسلَّم نفسه للبحارة الذين يُرحِّلون المجانين، وانتهى به المطاف إلى قصر الملك (مارك)؛ ولغربته عليهم حكموا بأنه آت من القلق

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير