تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المتزايد للبحر الذي يُخفي كثيراً من المعارف، وعلى المدى نشأت قصة الحب الأسطورية بين كريستان (وإيسوت) .. ويشير بإجمال إلى أدبيات متصوِّفة القرن الخامس عشر الميلادي؛ فالنفس التي تخلَّى عنها المجتمع تقذفها الأمواج في أعماق بحر مَقرٍّ لرغبات غير متناهية فراراً من عالم أرضي عقيم مثقل بالهموم والجهل؛ وما ذلك سوى انعكاس مُزَيَّف للمعرفة، وهذه المعرفة تتعلق بالإيمان .. وبعد جنون البحر الكبير سيمد القارب أشرعته الروحية كي تجره عناية الله *عبَّر عن ذلك بنفَس الله - بفتح الفاء - تعالى ربي وتبارك* إلى الميناء .. وفي القرن السادس عشر رأى (دولانكر) أن البحر مصدر لدعوة شيطانية لشعب بأكمله؛ ولهذا أَفْقد السهل الكبيرُ الإنسانَ الإيمانَ بالله؛ وإنما الثقة بالنجوم .. وهذه نقلة أخرى من الجنون إلى السحر والتنجيم .. وفسَّر الكآبة الإنكليزية في المرحلة الكلاسيكية بأن أصبحت كل قطرة من الماء تنساب فوق مسامِّ جسم الإنسان وَهْناً؛ فيعود ذلك إلى الجنون، وفي أدبيات متأخرة أصبح الجنون تجلياً لعنصر مائي في الإنسان غامض.

قال أبو عبدالرحمن: واعمراه إن قدر عبث العقول الكبيرة أن يغبنني في عقلي؟! .. وأنَّى لعقل المسلم المتزكِّي بشرع ربه أن يُغبن!! .. وقبل المداخلة التي لا تخلو من عبث كعبثهم فلا حجر على الخيال الأدبي أن يبتكر عوالم من البحر واليابسة والنجوم بشرط السلامة من التجديف والمجون الصارخ؛ وإنما عقوبات العدمية في العالم الإلحادي الإباحي أن يتحول الخيال الأدبي الماجن المجدِّف إلى سلوك واقعي هيبي حُرٍّ .. وأما المداخلة فالذي أعيه من العلاقة بين البحر والجنون شيئ يتعلق بتعبير الرؤيا، وهو تعبير مَن يسبح في البحر اللُجي بأنه يصاب بجنون، والرمز في ذلك أن البحر اللجي لا يُرى له سواحل؛ فالسابح يتموَّج إلى غير غاية، وهذه صفة السلوك للمجنون الذي يتصرف بغير هدى إلى غاية كريمة، وقد رأى والدي عمر رحمه الله تعالى هذه الرؤيا لاثنين من أقاربي بوجلٍ منه ومرارة وعَبَرها لي بالجنون وذلك بعد وقوعها فوقعت لهما كفلق الصبح .. وما عدا ذلك فأعجب أولاً من علاقة الماء بالتطهير في السياق الجنوني؛ فأيُّ حوبٍ يؤاخذ الله به المجنون حتى نتَّجهَ إلى تطهيره بالماء تمهيداً لتوبته؟!! .. والماء إذا جرى بعمق وكثافة يكتسح كل ما أمامه طولاً، وكل ما انتهى إليه فيضانه عرضاً؛ فهل سيكتسح الماء جنون المجنون فيعود سَوِيَّاً؟! .. وتسكُّع المجنون في أطراف المدينة قد يحدث خطراً منه هو، ولكن الخطر عليه أقل؛ لأنه مَحُوط بجدران، وبين أفراد من المجتمع عقلاء يفترض فيهم أن يَتَّقوه ولا يؤذوه، وأما طرده إلى البر فيجعله فريسة الوحوش والحيَّات والعقارب والبرد والشمس والظمإ أو الجوع .. وإلقاؤه في البحر يجعله فريسة الغرق أو الهوامير؛ فأيُّ قيمٍ في كل ذلك؟! .. وبعد هذا فأي مسؤولية للمجنون حتى يكون مسؤولاً عن ترحيله لا رحيله!! .. ومن ههنا وُجدت أدبيات سفينة الحمقى، ولقد أنتجت رموزاً ثقافية أصبحت سلوكاً جنونياً هيبياً اختيارياً؛ فالسفينة رمز القلق، والمجنون شخصية عظيمة غامضة فيها سخرية بالعالم لاذعة .. حتى القمر زعموا أنه أكثر الكواكب مائية، فجعلوا الجنون من آثاره على البشر، ويسمون هذا باللوناتية، وهي هوس يزعم أن القمر في دورانه يؤثر على الروح؛ وإنما جعله الله نوراً وهداية ودلالة على أزمنه موسمية ومناخات جوية سنوية؛ وبما أن الجن مخلوقات من نار فالأحرى أن يكون الربط بين الجنون ونارية الشمس أعرق في المخيال الأدبي، ولكن أدبيات (سفينة الحمقى) غيَّبت هذه العلاقة إلى أمد .. إن ما أُضْفيَ على الجنون من العظمة والعبقرية جعله مصدراً لأدب ساخر مُندِّداً بعيوب المجتمعات ذات القوة المادية الظالمة غير ملتفت لغياب الأخلاق والأَثارة الإيمانية الضحلة في العالم المسيحي .. وهو جنون اختياري حر تمثل في مثل الأدب السُّريالي والممارسات الوجودية الشاذة .. والمجنون اختياراً يجعل نفسه اللبنة الرابعة في المجتمع كله المكوَّن من النبيل في اصطلاحهم، والتاجر، والفلاح ويدخل في حكمه كل عاملٍ مُحترف .. والمجنون ذو الشخصية العظيمة العبقرية ذو معرفة تخبر بسيادة الشيطان، ونهاية العالم، وهذه النهاية سعادة؛ لأنها عقاب أقصى، وقوة عظمى على الأرض حيث السقوط الجهنمي!! .. وسيادة الشيطان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير