تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من الكفر والإباحية إلى عقوبات العدميَّة (4 - 10)

ـ[مبارك]ــــــــ[18 - 10 - 10, 03:20 م]ـ

قال أبو عبدالرحمن: لم أرَ في فلسفات القوم وَفْق مذاهبها المستقرَّة أيَّ رجعة لاحترام نظرية المعرفة التي تبحث بأناة وطمأنينة عن الدين الصحيح، وتُعيد للفكر ونوازع الخير رسالتهما أمام غرائز الشهوات والشبهات التي بُني عليها القانون الطبيعي؛ وإنما يوجد خارج نطاق الفلسفات من يحنُّ إلى شيئ ساد فباد عن الظِّلال الهانئة للأسرة كما في قول (بوشاسن): «تعالين أيتها (الصواب أيها) النساء اللطيفات والشَّبقات (من صنوف الشبق الاغتلام) .. ابتعدن منذ الآن عن أخطار اللذات المُزيَّفة .. عن تلك الأهواء المندفعة .. ابتعدن عن الخمول والرخاوة .. اتبعن أزواجكنَّ الشبان في البوادي وفي الأسفار .. تحدَّينهم في التسابق فوق الحشائش الليِّنة والمحاطة (الصواب بدون واو عطف) بالورود .. عدن إلى باريس، وقدِّمن لأزواجكن المَثل (أي المثل النافع الذي يُقتدى به) في أعمال المنزل التي تناسب جنسكن .. أحببن تربية أبنائكن؛ فستعرفن كم هذا الأمر ممتع فوق كل المُتَع؟! .. إن الطبيعة (بل الله سبحانه) وهبتكن السعادة .. ستشِخن بطيئاً عندما تكون حياتكن خالصة»؛ فهذا ذو حِسٍّ إصلاحي تقزَّز من فراغ البيت، ودناسة الأعراق، وضياع الهُويَّات، ونتن الدعارة، ورخاوة المدينة، والوحدة الخانقة للمتزوج والأعزب؛ لمخالفة شرع الله الذي جعل لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها، ونقوم لهن بالكفاية بمقتضى القَوامة، ويمنحننا السعادة أُنْساً في البيت، وحِفظاً للطرف أن يتذبذب ذات اليمين وذات الشمال، ونسعد معاً بالنسل منذ لُثغة الطفل في شبابنا نحن إلى حِياطتهم لنا بعد الله بالمرحمة والبذل في شيخوختنا.

. إن (بوشاسن) مدرك الثمار اللذيذة المغذِّية من شجرة الأسرة المباركة؛ فمع الطهارة من الدنس يكون العطف الصادق، والهُويَّة الخالصة، ويتكوَّن من الأسرة الواحدة أُسَرٌ كثيرة يجمعها أب واحد؛ فتوجد عاقلة في النوائب، ويوجد التكافل الاجتماعي الذي يُقَدِّم ذوي القربى، وتنمو نزعة المرحمة للجار والفقير والمبتلى؛ وهكذا ينقاد نظام المجتمع كله؛ فلا يسقط فيهم عاجز، ولا يستوحش بينهم مقطوعُ الشجرة، ويرتفع شُحُّ الأنفس والأنانية، ويحل مكان ذوي تلك الصفات العَفنة المذكورة آنفاً مَن يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن ثَمَّ تَحُفُّ رحمةُ الله بالجميع .. ودعك من بضعة دولارات تدفعها الدول للعاجزين؛ فهذه لا تكفي دواء ولا غذاء ولا سكناً .. ودعك من رَيْعِ التأمينات التي أنهكت الفرد مدى عمره؛ فذلك الريع لا يمنحه نعمة الأسرة والمجتمع المتكافل، ولا يزيل عنه وحشة الوحدة وشبح العدمية اللازم الملازِم.

قال أبو عبدالرحمن: ميَّز الله العالم المسيحي بالتحذير من إضلال مَن قَبلهم وهم اليهود، وأشركهما معاً في إلغاء الحسبة الآمرة بالمعروف الناهية عن المنكر، وهذا هو الواقع اليوم؛ فإنهم أسقطوا الحسبة، وكان البديل الإغراء والتضليل لسلوك ما ينافي الحق والخير والجمال .. وميَّز الله العالم المسيحي بقرب مودتهم لنا؛ فلما لم يتَّعظوا بالحذر من يهود وإضلالهم، وابتلعتهم الصهيونية تضليلاً وابتزازاً وسيطرة وتخويفاً: صاروا منفذين لإرادتها؛ فذهبت تلك المودة، وتلاشى ذلك السماح، وورثوا عملهم الإرهابي بنشر الإلحاد والإباحية على وجه المعمورة، وظُلْمِ الشعوب، ونهب مواردها اغتصاباً أو بثمن الملح .. وجعلوا الدول الضعيفة المنهوبة قبل العولمة وبعدها سوقاً حتمياً لترويج صادراتهم بأغلى الأثمان؛ فكان ذلك الذي يدير خده الأيمن لمن ضربه على خدِّه الأيسر لا يبكي بقلبه ومشاعره على الأقل لمآسي العالم من جَرَّائهم كمآسي فلسطين والعراق، وتحقَّق مفهومُ (السياسة لا أخلاق لها) بكل عُرْيٍ ووقاحة .. وأمتنا يأبى دينها، وتأبى مروءتها ومَرْحمتها أن تُسوِّق الأوبئة للأمم الأخرى، وتاريخها شاهد على ذلك بخلاف يهود الأندلس الذين سمَّموا الآبار في بقاع العالم المسيحي فتساقط ملايين القتلى، ولم يكتشفوا الأمر إلا بعد الفوات، ولم يُوقِعوا بهم عقوبة القصاص المساوية لشناعة جرمهم .. وأمتنا يأبى دينها، وتأبى مروؤتها ومَرْحمتها أن يكون لها باطن خلاف الظاهر، أو أن يكون لها أوكار تعمل في الظلام لمكيدة البشر .. بل رسالتهم إسعاد البشرية،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير