تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

رحم الله الإمام علياً بنَ المدني؛ إذ يقول: (أعز الله الدين بالصديق يوم الردة وبأحمد يوم المحنه) [طبقات الحنابلة لإبن أبي يعلى: 1/ 28] بل قال: بشر الحافي بشأن الذين أجابوا في المحنة: (وددت أن رؤوسهم خُضِّبت بدمائهم، وإنهم لم يُجِبوا).

والمقصود أن القول بخلق القرآن من أشنع الزندقه وأخبثها، وقد أدرك سلفنا الصالح فداحت هذه الزندقة ومآلاتها، وبينوا مُناقضتها لأصول الإسلام؛ سواءً في الدلائل أو المسائل: فأمّا الدلال: فإن القول بخلق القرآن باعثه القياس الفاسد والعقل المُريح؛ فهو تحاكم وتسليم لعلم الكلام والإبتداع، وإعراض واعتراض على نصوص الوحيين (أصدق الكلام وخير الهدي) [انظر: الأشاعرة عرض ونقد لسفر الحوالي: ص 64 - 66]

لقد أكمل الله ـ تعالى ـ لأمة الإسلام الدين وأتم عليهم النعمة: (فنحن نعلم أن كل حق يحتاج الناس إليه في أصول دينهم لابد أن يكون مما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فكيف يجوز أن يترك الرسول أصول الدين التي لا يتم الإيمان إلا بها لا يُبينها للناس؟

وهذا مما أحتج به علماء السنة على من دعاهم إلى قول الجهمية القائلين بخلق القرآن، وقالوا: إن هذا لو كان من الدين الذي يجب الدعاء إليه لعرَّفة الرسول صلى الله عليه وسلم، ودعا أمته إليه .... فكل من دعا إلى شيء من الدين بلا أصل من كتاب الله وسُنة رسوله لقد دعا إلى بدعته وضلالته) [الدرء لابن تيمية 1/ 233ـ 234= باختصار]

وأما مناقضتها لأصول الإسلام في مسائلة: فهي تنقض أصلَي شهادة لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالقول بخلق القرآن تعطيل لرب العالمين ـ عز وجل ـ وطعن في الرسالة وإبطال للشرائع ... وهذا قد جاء مبيَّناً في آثار السلف الصالح؛ فقد قال الإمام عبدالله بن إدريس: من قال القرآن مخلوق فقد أمات من الله شيئاً [أخرجه ابن بطة في الإبانة (الرد على الجهمية):2/ 44]

وقد قال الإمام أحمد بن حنبل: إذا زعموا أن القرآن مخلوق فقد زعموا أن أسماء الله مخلوقة.

فأجاب أحمد بأنهم وإن لم يقولوا بخلق أسمائه فقولهم يتضمن دلك، ونحن لا نشك في ذلك حتى نقف فيه [التسعينية:2/ 577 - 581]

وقال عبدالله بن أيوب المخرمي: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: إنه مخلوق فقد أبطل الصوم والحج والجهاد وفرائض الله [أخرجه ابن بطة في الإبانة (الرد على الجهمية):1/ 352]

وقد أوجز ابن تيمية هذا الطعن في الشهادتين لدى القائلين بخلق القرآن؛ فقال: وكان أهل العلم والإيمان قد عرفوا باطن زندقتهم ونفاقَهم، وأن المقصود بقولهم: إن القرآن مخلوق أن الله لا يكلم ولا يتكلَّم، ولا قال ولا يقول، وبهذا تتعطل سائر الصفات: من العلم والسمع والبصر وسائر ما جاءت به الكتب الإلهية، وفيه أيضاً قدح في نفس الرسالة؛ فإن الرسل إنما جاءت بتبليغ كلام الله، فإذا قُدِح في أن الله يتكلم كان ذلك قدحاً في رسالة المرسلين، فعلموا أن في باطن ما جاؤوا به قدحاً عظيماً في كثير من أصلَي الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسوله الله [بيان تلبيس الجهمية:3/ 518 - 519، وانظر: شرح الأصفهانية (ت: مخلوف) ص60، ومجموع الفتاوى: 12/ 7]

لقد كانت مقالة الأشاعرة في القرآن أقلَّ انحرافاً من مقالة المعتزلة؛ فإن المعتزلة يزعمون أن القرآن مخلوق لفظاً ومعنىً، وأما الأشاعرة فيجعلون القرآن هو المعنى القائم بذات الله، وأما الحروف والأصوات فهي دالة عليه، وهي مخلوقة.

ومع ذلك فإن مقالة الأشاعرة قد آلت بالمتأخرين منهم إلى القول بأن المصحف ليس فيه إلا المداد والورق، فامتهنوا القرآن وداسوه بأرجلهم [انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية:8/ 425]

و أخيراً فإن المتعين الرسوخ في فقه هذه المسألة الجليلة، وإضهارها بين الخلائق، وبيان عمق علم السلف، وحدَّة أفهامهم، ودرايتهم بمآلات الأقوال ولوازمها، خلافاً لمن تنكَّب سبيلهم فهوّن من شأن هذه المسألة، وخاص فيها بالباطل، وانتقص أهل السنة، فجمع بين الجهل والظلم، فلا عِلم مصدَّق ولا عدل محقّق. وبالله التوفيق (*)

(*) أستاذ مشارك في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ الرياض.

(*) المصدر: مجلة البيان عدد شوال 1431هـ رقم العدد 278 ص 94 - 95.

ـ[حنين السلفية]ــــــــ[19 - 10 - 10, 02:44 ص]ـ

جزاكم الله خير الجزاء على هذا الموضوع، لديّ سؤال من فضلكم

هل هناك من يقول بخلق القرآن في أيامنا هذه؟

ـ[عبدالله المُجَمّعِي]ــــــــ[19 - 10 - 10, 10:27 ص]ـ

جزاكم الله خير الجزاء على هذا الموضوع، لديّ سؤال من فضلكم

هل هناك من يقول بخلق القرآن في أيامنا هذه؟

آمين؛ ونفع الله بك وبارك فيك .. لو زكزتِ القراءة أكثر لما أشكل عليك ما طرحتيه من سؤال ..

فسوف أحيلك إلى جزءاً مما نقلت أعلاه حول المسألة ..

فالقول بخلق القرآن كفر ظاهر؛ إذ هو تكذيب لنصوص الوحيين، وإلحاد في أسماء الله وصفاته، وتعطيل لما يحب الله ـ عز وجل ـ من الكمال، أفيقال بعد هذا: إن هذه المسألة ليست من أصول الدين؟ [قالها بعض الذين أُشربواالبدعة كالمقبلي في العلم الشامخ، وأبي غدة في مسألة خلق القرآن، وتبعهم بعض متسننة هذا العصر، أرباب الترنح والتلفيق ... انظر في الرد عليهم: رسالة تنبيه الإخوان، لحمود التويجري، والمحنه وأثرها في منهج الإمام أحمد، لعبد الله الفوزان]

قلت: فمن يهّون من شأن هذه السألة ويقول بأنها ليست من أصول الدين، ليس عنده فرق بين القول بخلق القرآن من عدمه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير