تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي يَكُونُ أَعْلَمَ بِذَلِكَ وَأَكْرَهُ لَهُ مِمَّنْ لَمْ يَذُقْهُ مُطْلَقًا؛ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُطَّرِدِ بَلْ قَدْ يَكُونُ الطَّبِيبُ أَعْلَمَ بِالْأَمْرَاضِ مِنْ الْمَرْضَى،وَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَطِبَّاءُ الْأَدْيَانِ فَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَايُصْلِحُ الْقُلُوبَ وَيُفْسِدُهَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَذُقْ مِنْ الشَّرِّ مَا ذَاقَهُ النَّاسُ. وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ بِذَوْقِهِ الشَّرَّ مِنْ الْمَعْرِفَةِ بِهِ وَالنُّفُورِ عَنْهُوَالْمَحَبَّةِ لِلْخَيْرِ إذَا ذَاقَهُ مَا لَا يَحْصُلُ لِبَعْضِالنَّاسِ ((. [10/ 300 - 301].

• وقال: ((ونحن - ولله الحمد - قد تبين لنا بيانا لا يحتمل النقيض= فساد الحججالمعروفة للفلاسفة والجهمية والقدرية ونحوهم التي يعارضون بها كتاب الله،وعلمنابالعقل الصريح فساد أعظم ما يعتمدون عليه من ذلك وهذا - ولله الحمد - مما زادناالله به هدى وإيمانا؛ فإن فساد المعارض مما يؤيد معرفة الحق ويقويه،وكل من كان أعرفبفساد الباطل كان أعرف بصحة الحق، ويروي عن عمر بن الخطاب رضيالله عنه انه قال: ((إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرفالجاهلية)).

وهذا حال كثير ممن نشأ في عافية الإسلام وما عرف ما يعارضه ليتبين لهفساده فإن لا يكون في قلبه من تعظيم الإسلام مثل ما في قلب من عرف الضدين)).

• وقال: ((وَالْآخَرُونَ يَخْرُجُونَ إلى الْغَفْلَةِ الْمَذْمُومَةِ، فَيُبَالِغُونَ فِي سَلَامَةِالْبَاطِنِ حَتَّى يَجْعَلُونَ الْجَهْلَ بِمَا تَجِبُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ الشَّرِّ - الَّذِي يَجِبُ اتِّقَاؤُهُ - مِنْ سَلَامَةِ الْبَاطِنِ،وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ سَلَامَةِ الْبَاطِنِ مِنْ إرَادَةِالشَّرِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَبَيْنَ سَلَامَةِ الْقَلْبِ مِنْ مَعْرِفَةِالشَّرِّ الْمَعْرِفَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا)) [1/ 16].

• ويقول: ((فَإِذَا افْتَقَرَ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ وَدَعَاهُ وَأَدْمَنَ النَّظَرَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ وَكَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ = انْفَتَحَ لَهُ طَرِيقُ الْهُدَى؛ ثُمَّ إنْ كَانَ قَدْ خُبِّرَ نِهَايَاتِ أَقْدَامِ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْمُتَكَلِّمِين فِي هَذَا الْبَابِ؛ وَعَرَفَ أَنَّ غَالِبَ مَا يَزْعُمُونَهُ بُرْهَانًا هُوَ شُبْهَةٌ وَرَأَى أَنَّ غَالِبَ مَا يَعْتَمِدُونَهُ يُؤَوَّلُ إلَى دَعْوَى لَا حَقِيقَةَ لَهَا؛ أَوْ شُبْهَةٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْ قِيَاسٍ فَاسِدٍ؛ أَوْ قَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ لَا تَصِحُّ إلَّا جُزْئِيَّةً؛ أَوْ دَعْوَى إجْمَاعٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ؛ أَوْ التَّمَسُّكِ فِي الْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلِ بِالْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ. ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ إذَا رُكِّبَ بِأَلْفَاظِ كَثِيرَةٍ طَوِيلَةٍ غَرِيبَةٍ عَمَّنْ لَمْ يَعْرِفُ اصْطِلَاحَهُمْ أَوْهَمَتْ الْغِرَّ مَا يُوهِمُهُ السَّرَابُ لِلْعَطْشَانِ = ازْدَادَ إيمَانًا وَعِلْمًا بِمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَإِنَّ الضِّدَّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ وَكُلُّ مَنْ كَانَ بِالْبَاطِلِ أَعْلَمُ كَانَ لِلْحَقِّ أَشَدَّ تَعْظِيمًا وَبِقَدْرِهِ أَعْرَفَ إذَا هُدِيَ إلَيْهِ)) [5/ 118].

• قال ابن القيم: ((فالعالمون بالله وكتابه ودينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية وسبيل المجرمين معرفة تفصيلية فاستبانت لهم السبيلان كما يستيبين للسالك الطريق الموصل إلى مقصوده والطريق الموصل إلى الهلكةفهؤلاء أعلم الخلق وأنفعهم للناس وأنصحهم لهم وهم الأدلاء الهداة [وبهذا] برز الصحابة عليجميع من أتي بعدهم إلى يومالقيامة؛ فإنهم نشأوا في سبيلالضلال والكفر والشرك والسبل الموصلة إلى الهلاك وعرفوها مفصلة ثم جاءهم الرسولفأخرجهم من تلك الظلمات إلى سبيل الهدى وصراط الله المستقيم فخرجوا من الظلمةالشديدة إلى النور التام ومن الشرك إلى التوحيد ومن الجهل إلى العلم ومن الغي إلى الرشاد ومن الظلم إلى العدل ومن الحيرة والعمى إلى الهدى والبصائر فعرفوا مقدار مانالوه وظفروا به ومقدار ما كانوا فيه فان الضد يظهر حسنه الضد وإنما تتبين الأشياءبأضدادها فازدادوا رغبة ومحبة فيما انتقلوا إليه ونفرة وبغضاً لما انتقلوا عنهوكانوا أحب الناس في التوحيد والإيمان والإسلام وأبغض الناس في ضده عالمين بالسبيل على التفصيل

وأما من جاء بعد الصحابة فمنهم من نشأ في الإسلام غير عالمتفصيل ضده فالتبس عليه بعض تفاصيل سبيل المؤمنين بسبيل المجرمين فان اللبس إنما يقع إذا ضعف العلم بالسبيلين أو أحدهما كما قال عمر بن الخطاب إنما تنقض عري الإسلام عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية وهذا من كمال علم عمر رضي الله عنه؛فانه إذا لم يعرف الجاهلية وحكمها وهو كل ما خالف ما جاء به الرسول فانه من الجاهلية فإنها منسوبة إلى الجهل وكل ما خالف الرسول فهو من الجهل فمن لم يعرف سبيل المجرمين ولم تستبن له أوشك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين كما وقع في هذه الأمة من أمور كثيرة في باب الاعتقاد والعلم والعمل هي من سبيل المجرمين والكفار وأعداء الرسل أدخلها من لم يعرف أنها من سبيلهم فيسبيل المؤمنين ودعا إليها وكفر من خالفها واستحل منه ما حرمه الله ورسوله كما وقع لأكثر أهل البدع من الجهمية والقدرية والخوارج والروافض وأشباههم ممن ابتدع بدعةودعا إليها وكفر من خالفها))

والحمد لله رب العالمين ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير