تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واتَّصَلَ بهم ذلك القرنَ الثاني والثالث، فَظَهَرَ ما بُعِثَ به مِنَ الهدى ودينِ الحق على كلِّ دينٍ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها، كما قال صلى الله عليه وسلم: «زُوِيَت لِيَ الأرضُ مَشَارِقَها ومَغَارِبَهَا، وسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتي ما زُوِيَ لي منها».

وكان لا بدَّ أنْ يَظْهَرَ في أمَّتِه ما سَبَقَ به القَدَر، واقْتَضَتْه نشأةُ البَشَرِ مِنْ نوعٍ مِنَ التفرُّقِ والاختلافِ كما كان فيما غَبَر، لكنْ كانت أَُّمَّتُه خيرَ الأُمَم، فكان الخيرُ فيهم أكثَرَ منه في غيرِهم، والشرُّ فيهم أقَلَّ منه في غيرهم؛ كما يَعرِفُ ذلك مَنْ تأمَّلَ حالهَم وحالَ بني إسرائيل قبلَهم)).


[اشتداد البأس بتضييع الحق أو البغي على أهله]

وقال: ((وقد ثَبَتَ في الحديثِ الصحيحِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سَأَلْتُ ربِّيَ ثلاثًا فَأَعْطانِيَ اثنتين، ومَنَعَني واحدةً؛ سألتُ ربِّيَ أنْ لا يُسَلِّطَ عليهم عَدُوًّا مِنْ غيرِهم فيَجْتاحُهُم فأَعْطانِيها، وسألتُهُ أنْ لا يُهْلِكَهم بِسَنَةٍ عامَّةٍ فَأَعْطانيها، وسألتُهُ أنْ لا يَجْعَلَ بأسَهم بَيْنَهم فَمَنَعْنِيها».
وهذا البأسُ نَوعان:
أحدُهما: الفِتَنُ التي تَجري عليهم، والفتنةُ تَرِدُ على القلوبِ فلا تَعرِفُ الحقَّ ولا تَقْصِدُه؛ فيؤذي بعضُهم بعضًا بالأقوالِ والأعمال.
والثاني: أنْ يَعْتَدِيَ أهلُ الباطلِ منهم على أهلِ الحقِّ منهم، فيكون ذلك مِحْنَةً في حقِّهم يُكَفِّرُ الله بها سيئاتِهم، ويَرفَعُ بالصبرِ عليها درجاتِهم، وبصبرِهم وتَقواهم لا يَضُرُّهم كيدُ الظالمين لهم، بل تكون العاقبةُ للتقوى، ويكونون مِنْ أولياءِ الله المُتَّقين، وحزبِ الله المُفلِحين، وجُنْدِ الله الغالبين، إذا كانوا مِنْ أهلِ الصبرِ واليقين؛ فإنه (مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)] يوسف: 90 [.
والمُتَعَدِّي منهم إمّا أنْ يتوبَ الله عليه؛ كما تابَ على إخوةِ يوسفَ بعد عدوانِهِم عليه، وآثَرَهُ اللهُ عليهم بصبرِهِ وتقواه؛ كما قال لَمّا قالوا: قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)] يوسف: 90 - 92 [.
وكما فَعَلَ سبحانه بقادةِ الأحزابِ الذين كانوا عَدُوًّا لله وللمؤمنين، وقال فيهم: (لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ)] الممتحنة: 1 [، ثم قال: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)] الممتحنة: 7 [.
وفي هذا ما دَلَّ على أنَّ الشخصَ قد يكونُ عدوًّا لله ثم يَصيرُ وليًّا لله، مُواليًا لله ورسولِه والمؤمنين؛ فهو سبحانه يَتوبُ على مَنْ تاب.
ومَنْ لم يَتُبْ فإلى الله إيابُه، وعليه حسابُه، وعلى المؤمنين أنْ يَفْعَلوا معه ومع غيرِه ما أَمَرَ اللهُ به ورسولُه؛ مِنْ قَصْدِ نصيحتِهِم وإخراجِهِم مِنَ الظُّلُماتِ إلى النور، وأمرِهِم بالمعروفِ ونَهْيِهِم عن المُنْكَرِ كما أَمَرَ اللهُ ورسولُه، لا اتِّباعًا للظَّنِّ وما تَهوى الأَنْفُسُ، حتى يكونَ مِنْ خيرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَت للناس؛ يأمرون بالمعروف، ويَنْهَون عن المنكر، ويؤمنون بالله.
وهؤلاءُ يَعْلَمون الحقَّ ويَقْصِدُونه، ويَرْحَمون الخَلْقَ، وهم أهلُ صدقٍ وعدل؛ أعمالُهُم خالصةٌ لله صَوَابٌ مُوافِقَةٌ لأمْرِ الله؛ كما قال تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)] هود: 7، الملك: 2 [، قال الفُضَيل بن عِياضٍ وغيرُه: «أَخْلَصُهُ وأَصْوَبُه، والخالِص: أنْ يكونَ لله، والصواب: أنْ يكونَ على السنَّة»)).

ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[20 - 10 - 10, 05:31 م]ـ
وفيك بارك الله أخي أبا الحسن ..

ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[21 - 10 - 10, 03:45 ص]ـ
جزاك الله خيرا شيخنا الكريم
وجزى الله الدكتور محمد يسرى كل خير أستفدت كثيرا من مقالاته ومشاركاته على أنا المسلم

ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[22 - 10 - 10, 01:20 ص]ـ
بارك الله فيكم
وشيخ الإسلام رحمه الله يتكلم من مقام.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير